وتفيد الجملة تعليل النهيين بذكر الجزاء عن ضد المنهي عنهما وأكد هذا الاهتمام باسم الإشارة في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) مع ما في اسم الإشارة من التنبيه على أن المشار إليهم جديرون بالخبر المذكور بعده لأجل ما ذكر من الوصف قبل اسم الإشارة.
وإذ قد علمت آنفا أن محصل معنى قوله : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) وقوله : (وَلا تَجْهَرُوا) [الحجرات : ٢] الأمر بخفض الصوت عند النبي صلىاللهعليهوسلم يتضح لك وجه العدول عن نوط الثناء هنا بعدم رفع الصوت وعدم الجهر عند الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى نوطه بغض الصوت عنده.
والغض حقيقته : خفض العين ، أي أن لا يحدق بها إلى الشخص وهو هنا مستعار لخفض الصوت والميل به إلى الإسرار.
والامتحان : الاختبار والتجربة ، وهو افتعال من محنه ، إذا اختبره ، وصيغة الافتعال فيه للمبالغة كقولهم : اضطره إلى كذا.
واللام في قوله : للتقوى لام العلة ، والتقدير : امتحن قلوبهم لأجل التقوى ، أي لتكون فيها التقوى ، أي ليكونوا أتقياء ، يقال : امتحن فلان للشيء الفلاني كما يقال : جرب للشيء ودرب للنهوض بالأمر ، أي فهو مضطلع به ليس بوان عنه فيجوز أن يجعل الامتحان كناية على تمكّن التقوى من قلوبهم وثباتهم عليها بحيث لا يوجدون في حال ما غير متقين وهي كناية تلويحية لكون الانتقال بعدة لوازم ، ويجوز أن يجعل فعل (امْتَحَنَ) مجازا مرسلا عن العلم ، أي علم الله أنهم متقون ، وعليه فتكون اللام من قوله : (لِلتَّقْوى) متعلّقة بمحذوف هو حال من قلوب ، أي كائنة للتقوى ، فاللام للاختصاص.
وجملة (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) خبر (إِنَ) وهو المقصود من هذه من الجملة المستأنفة وما بينهما اعتراض للتنويه بشأنه. وجعل في «الكشاف» خبر (إِنَ) هو اسم الإشارة مع خبره وجعل جملة (لَهُمْ) مستأنفة ولكل وجه فانظره.
وقال : «وهذه الآية بنظمها الذي رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم اسما ل (إِنَ) المؤكّدة وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معا. والمبتدأ اسم الإشارة ، واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم ، وإيراد الجزاء نكرة مبهما أمره ناظرة في الدلالة على غاية الاعتداد والارتضاء لما فعل الذين وقّروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي