اللبس فلا ينافي أنه لم يثبت هذا الفرق في قوله تعالى : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) في سورة الأعراف [١٧] وقوله : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ) في سورة الروم [٢٥]. وفيما ذكرنا ما يدفع الاعتراضات على صاحب «الكشاف».
فلفظ (وَراءِ) هنا مجاز في الجهة المحجوبة عن الرؤية.
والحجرات ، بضمتين ويجوز فتح الجيم : جمع حجرة بضم الحاء وسكون الجيم وهي البقعة المحجورة ، أي التي منعت من أن يستعملها غير حاجرها فهي فعلة بمعنى مفعولة كغرفة ، وقبضة. وفي الحديث : أيقظوا صواحب الحجر يعني أزواجه ، وكانت الحجرات تفتح إلى المسجد. وقرأ الجمهور (الْحُجُراتِ) بضمتين. وقرأه أبو جعفر بضم الحاء وفتح الجيم.
وكانت الحجرات تسعا وهي من جريد النخل ، أي الحواجز التي بين كل واحدة والأخرى ، وعلى أبوابها مسوح من شعر أسود وعرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحو سبعة أذرع ، ومساحة البيت الداخل ، أي الذي في داخل الحجرة عشرة أذرع ، أي فتصير مساحة الحجرة مع البيت سبعة عشر ذراعا. قال الحسن البصري : كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم في خلافة عثمان بن عفان فأتناول سقفها بيدي. وإنما ذكر الحجرات دون البيوت لأن البيت كان بيتا واحدا مقسما إلى حجرات تسع.
وتعريف (الْحُجُراتِ) باللام تعريف العهد ، لأن قوله : (يُنادُونَكَ) مؤذن بأن الحجرات حجراته فلذلك لم تعرف بالإضافة. وهذا النداء وقع قبل نزول الآية فالتعبير بصيغة المضارع في (يُنادُونَكَ) لاستحضار حالة ندائهم.
ومعنى قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أنه يكسبهم وقارا بين أهل المدينة ويستدعي لهم الإقبال من الرسول صلىاللهعليهوسلم إذ يخرج إليهم غير كاره لندائهم إياه ، ورفع أصواتهم في مسجده فكان فيما فعلوه جلافة.
فقوله : (خَيْراً) يجوز أن يكون اسم تفضيل ، ويكون في المعنى : لكان صبرهم أفضل من العجلة. ويجوز أن يكون اسما ضدّ الشر ، أي لكان صبرهم خيرا لما فيه من محاسن الخلق بخلاف ما فعلوه فليس فيه خير ، وعلى الوجهين فالآية تأديب لهم وتعليمهم محاسن الأخلاق وإزالة لعوائد الجاهلية الذميمة.
وإيثار (حَتَّى) في قوله : (حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) دون (إلى) لأجل الإيجاز بحذف