ومعنى (فَتَبَيَّنُوا) تبينوا الحق ، أي من غير جهة ذلك الفاسق. فخبر الفاسق يكون داعيا إلى التتبع والتثبت يصلح لأن يكون مستندا للحكم بحال من الأحوال وقد قال عمر بن الخطاب «لا يؤسر أحد في الإسلام بغير العدول».
وإنما كان الفاسق معرّضا خبره للريبة والاختلاق لأن الفاسق ضعيف الوازع الديني في نفسه ، وضعف الوازع يجرئه على الاستخفاف بالمحظور وبما يخبر به في شهادة أو خبر يترتب عليهما إضرار بالغير أو بالصالح العام ويقوي جرأته على ذلك دوما إذا لم يتب ويندم على ما صدر منه ويقلع عن مثله.
والإشراك أشد في ذلك الاجتراء لقلة مراعاة الوازع في أصول الإشراك. وتنكير (فاسِقٌ) ، ونبإ ، في سياق الشرط يفيد العموم في الفساق بأي فسق اتصفوا ، وفي الأنباء كيف كانت ، كأنه قيل : أيّ فاسق جاءكم بأيّ نبإ فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشافه.
وقرأ الجمهور (فَتَبَيَّنُوا) بفوقية فموحدة فتحتية فنون من التبيّن ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف فتثبتوا بفوقية فمثلثة فموحدة ففوقية من التثبت. والتبيّن : تطلب البيان وهو ظهور الأمر ، والتثبت التحري وتطلب الثبات وهو الصدق. ومآل القراءتين واحد وإن اختلف معناهما. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «التثبّت من الله والعجلة من الشيطان».
وموقع (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا) إلخ نصبا على نزع الخافض وهو لام التعليل محذوفة. ويجوز كونه منصوبا على المفعول لأجله.
والمعلل باللام المحذوفة أو المقدرة هو التثبت ، فمعنى تعليله بإصابة يقع إثرها الندم هو التثبت. فمعنى تعليله بإصابة يقع آخرها الندم أن الإصابة علة تحمل على التثبت للتفادي منها فلذلك كان معنى الكلام على انتفاء حصول هذه الإضافة لأن العلة إذا صلحت لإثبات الكف عن فعل تصلح للإتيان بضده لتلازم الضد. وتقدم نظير هذا التعليل في قوله : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) [الحجرات : ٢] في هذه السورة.
وهذا التحذير من جراء قبول خبر الكاذب يدل على تحذير من يخطر له اختلاق خبر مما يترتب على خبره الكاذب من إصابة الناس. وهذا بدلالة فحوى الخطاب.
والجهالة : تطلق بمعنى ضد العلم ، وتطلق بمعنى ضد الحلم مثل قولهم : جهل كجهل السيف ، فإن كان الأول ، فالباء للملابسة وهو ظرف مستقر في موضع الحال ، أي