متلبسين أنتم بعدم العلم بالواقع لتصديقكم الكاذب ، ومتعلق (تُصِيبُوا) على هذا الوجه محذوف دل عليه السياق سابقا ولا حقا ، أي أن تصيبوهم بضرّ ، وأكثر إطلاق الإصابة على إيصال الضرّ وعلى الإطلاق الثاني الباء للتعدية ، أي أن تصيبوا قوما بفعل من أثر الجهالة ، أي بفعل من الشدة والإضرار.
ومعنى (فَتُصْبِحُوا) فتصيروا لأن بعض أخوات (كان) تستعمل بمعنى الصيرورة. والندم : الأسف على فعل صدر. والمراد به هنا الندم الديني ، أي الندم على التورط في الذنب للتساهل وترك تطلب وجوه الحق.
وهذا الخطاب الذي اشتمل عليه قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) موجه ابتداء للمؤمنين المخبرين ـ بفتح الباء ـ كل بحسب أثره بما يبلغ إليه من الأخبار على اختلاف أغراض المخبرين ـ بكسر الباء ـ. ولكنّ هذا الخطاب لا يترك المخبرين ـ بكسر الباء ـ بمعزل عن المطالبة بهذا التبيّن فيما يتحملونه من الأخبار وبتوخّي سوء العاقبة فيما يختلقونه من المختلقات ولكن هذا تبيّن وتثبت يخالف تبيّن الآخر وتثبته ، فهذا تثبت من المتلقي بالتمحيص لما يتلقاه من حكاية أو يطرق سمعه من كلام والآخر تمحيص وتمييز لحال المخبر. واعلم أن هذه الآية تتخرج منها أربع مسائل من الفقه وأصوله :
المسألة الأولى : وجوب البحث عن عدالة من كان مجهول الحال في قبول الشهادة أو الرواية عند القاضي وعند الرواة. وهذا صريح الآية وقد أشرنا إليه آنفا.
المسألة الثانية : أنها دالة على قبول خبر الواحد الذي انتفت عنه تهمة الكذب في شهادته أو روايته وهو الموسوم بالعدالة ، وهذا من مدلول مفهوم الشرط في قوله : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) وهي مسألة أصولية في العمل بخبر الواحد.
المسألة الثالثة : قيل إن الآية تدل على أن الأصل في المجهول عدم العدالة ، أي عدم ظن عدالته فيجب الكشف عن مجهول الحال فلا يعمل بشهادته ولا بروايته حتى يبحث عنه وتثبت عدالته.
وهذا قول جمهور الفقهاء والمحدثين وهو قول مالك. وقال بعضهم : الأصل في الناس العدالة وينسب إلى أبي حنيفة فيقبل عنده مجهول الباطن ويعبر عنه بمستور الحال. أما المجهول باطنه وظاهره معا فحكي الاتفاق على عدم قبول خبره ، وكأنهم نظروا إلى