وجيء بصيغة القصر المفيدة لحصر حالهم في حال الإخوة مبالغة في تقرير هذا الحكم بين المسلمين فهو قصر ادعائي أو هو قصر إضافي للرد على أصحاب الحالة المفروضة الذين يبغون على غيرهم من المؤمنين ، وأخبر عنهم بأنهم إخوة مجازا على وجه التشبيه البليغ زيادة لتقرير معنى الأخوة بينهم حتى لا يحق أن يقرن بحرف التشبيه المشعر بضعف صفتهم عن حقيقة الأخوّة. وهذه الآية فيها دلالة قوية على تقرر وجوب الأخوة بين المسلمين لأن شأن (إِنَّمَا) أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته أو لما ينزّل منزلة ذلك كما قال الشيخ في «دلائل الإعجاز» في الفصل الثاني عشر وساق عليه شواهد كثيرة من القرآن وكلام العرب فلذلك كان قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) مفيد أن معنى الأخوة بينهم معلوم مقرر. وقد تقرر ذلك في تضاعيف كلام الله تعالى وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم من ذلك قوله تعالى : (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) في سورة الحشر [١٠] ، وهي سابقة في النزول على هذه السورة فإنها معدودة الثانية والمائة ، وسورة الحجرات معدودة الثامنة والمائة من السور. وآخى النبي صلىاللهعليهوسلم بين المهاجرين والأنصار حين وروده المدينة وذلك مبدأ الإخاء بين المسلمين. وفي الحديث «لو كنت متّخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام أفضل».
وفي باب تزويج الصغار من الكبار من «صحيح البخاري» «أن النبي صلىاللهعليهوسلم خطب عائشة من أبي بكر. فقال له أبو بكر : إنما أنا أخوك فقال : أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال». وفي حديث «صحيح مسلم» «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم». وفي الحديث «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه» أي يحب للمسلم ما يحب لنفسه.
فأشارت جملة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) إلى وجه وجوب الإصلاح بين الطائفتين المتباغيتين منهم ببيان أن الإيمان قد عقد بين أهله من النسب الموحى ما لا ينقص عن نسب الأخوة الجسدية على نحو قول عمر بن الخطاب للمرأة التي شكت إليه حاجة أولادها وقالت : أنا بنت خفاف بن إيماء ، وقد شهد أبي مع رسول الله الحديبية فقال عمر «مرحبا بنسب قريب». ولما كان المتعارف بين الناس أنه إذا نشبت مشاقّة بين الأخوين لزم بقية الإخوة أن يتناهضوا في إزاحتها مشيا بالصلح بينهما فكذلك شأن المسلمين إذا حدث شقاق بين طائفتين منهم أن ينهض سائرهم بالسعي بالصلح بينهما وبثّ السفراء إلى أن يرقعوا ما وهى ، ويرفعوا ما أصاب ودهى.