وفاء الفصيحة تفيد الإلزام بما بعدها كما صرح به الزمخشري في قوله تعالى : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) في سورة الفرقان ، أي تدل على أن لا مناص للمواجه بها من التزام مدلول جواب شرطها المحذوف.
والمعنى : فتعيّن إقراركم بما سئلتم عنه من الممثّل به (إذ لا يستطاع جحده) تحققت كراهتكم له وتقذركم منه ، فليتحقق أن تكرهوا نظيره الممثّل وهو الغيبة فكأنه قيل : فاكرهوا الممثل كما كرهتم الممثل به.
وفي هذا الكلام مبالغات : منها الاستفهام التقريري الذي لا يقع إلا على أمر مسلّم عند المخاطب فجعلك للشيء في حيّز الاستفهام التقريري يقتضي أنك تدّعي أنه لا ينكره المخاطب.
ومنها جعل ما هو شديد الكراهة للنفس مفعولا لفعل المحبة للإشعار بتفظيع حالة ما شبه به وحالة من ارتضاه لنفسه فلذلك لم يقل : أيتحمل أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ، بل قال : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ).
ومنها إسناد الفعل إلى أحد للإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك.
ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتّى جعل الإنسان أخا.
ومنها أنه لم يقتصر على كون المأكول لحم الأخ حتى جعل الأخ ميتا.
وفيه من المحسنات الطباق بين (أَيُحِبُ) وبين (فَكَرِهْتُمُوهُ).
والغيبة حرام بدلالة هذه الآية وآثار من السنة بعضها صحيح وبعضها دونه.
وذلك أنها تشتمل على مفسدة ضعف في أخوة الإسلام. وقد تبلغ الذي اغتيب فتقدح في نفسه عداوة لمن اغتابه فينثلم بناء الأخوة ، ولأن فيها الاشتغال بأحوال الناس وذلك يلهي الإنسان عن الاشتغال بالمهم النافع له وترك ما لا يعنيه.
وهي عند المالكية من الكبائر وقلّ من صرح بذلك ، لكن الشيخ عليّا الصعيدي في «حاشية الكفاية» صرح بأنها عندنا من الكبائر مطلقا. ووجهه أن الله نهى عنها وشنّعها.
ومقتضى كلام السجلماسي في كتاب «العمل الفاسي» أنها كبيرة.
وجعلها الشافعية من الصغائر لأن الكبيرة في اصطلاحهم فعل يؤذن بقلة اكتراث فاعله بالدين ورقة الديانة كذا حدّها إمام الحرمين.