أتنسى دفاعي عنك إذ أنت مسلم |
|
وقد سال من ذل عليك قراقر |
ويكون بالتعريض بأن يذكر المان من معاملته مع الممنون عليه ما هو نافعه مع قرينة تدلّ على أنه لم يرد مجرد الإخبار مثل قول الراعي مخاطبا عبد الملك بن مروان :
فآزرت آل أبي خبيب وافدا |
|
يوما أريد لبيعتي تبديلا |
أبو خبيب : كنية عبد الله بن الزبير.
وكانت مقالة بني أسد مشتملة على النوعين من المنّ لأنهم قالوا : ولم نقاتلك كما قاتلك محارب وغطفان وهوازن وقالوا : وجئناك بالأثقال والعيال.
و (أَنْ أَسْلَمُوا) منصوب بنزع الخافض وهو باء التعدية ، يقال : منّ عليه بكذا ، وكذلك قوله : (لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) إلا أن الأول مطرد مع (أَنْ) و (أن) والثاني سماعي وهو كثير.
وهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم آمنّا كما حكاه الله آنفا ، وسماه هنا إسلاما لقوله : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤] أي أن الذي منّوا به عليك إسلام لا إيمان. وأثبت بحرف (بَلِ) أن ما منّوا به إن كان إسلاما حقا موافقا للإيمان فالمنّة لله لأن هداهم إليه فأسلموا عن طواعية. وسماه الآن إيمانا مجاراة لزعمهم لأن المقام مقام كون المنّة لله فمناسبة مسابرة زعمهم أنهم آمنوا ، أي لو فرض أنكم آمنتم كما تزعمون فإن إيمانكم نعمة أنعم الله بها عليكم. ولذلك ذيله بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فنفى أولا أن يكون ما يمنّون به حقا ، ثم أفاد ثانيا أن يكون الفضل فيما ادعوه لهم لو كانوا صادقين بل هو فضل الله.
وقد أضيف إسلام إلى ضميرهم لأنهم أتوا بما يسمى إسلاما لقوله : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا). وأتي بالإيمان معرّفا بلام الجنس لأنه حقيقة في حدّ ذاته وأنهم ملابسوها.
وجيء بالمضارع في (يَمُنُّونَ) مع أن منّهم بذلك حصل فيما مضى لاستحضار حالة منّهم كيف يمنون بما لم يفعلوا مثل المضارع في قوله تعالى : (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) في سورة البقرة [٢١٢]. وجيء بالمضارع في قوله : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ) لأنه منّ مفروض لأن الممنون به لمّا يقع. وفيه من الإيذان بأنه سيمنّ عليهم بالإيمان ما في قوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤] ، وهذا من التفنن البديع في الكلام ليضع السامع كل فنّ منه في قراره ، ومثلهم من يتفطن لهذه الخصائص.