منه إذ السماء قريبة فوقهم لا يكلفهم النظر فيها إلا رفع رءوسهم.
و (كَيْفَ) اسم جامد مبنيّ معناه : حالة ، وأكثر ما يرد في الكلام للسؤال عن الحالة فيكون خبرا قبل ما لا يستغني عنه مثل : كيف أنت؟ وحالا قبل ما يستغنى عنه نحو : كيف جاء؟ ومفعولا مطلقا نحو (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) [الفجر : ٦] ، ومفعولا به نحو قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [الإسراء : ٢١]. وهي هنا بدل من (فَوْقَهُمْ) فتكون حالا في المعنى. والتقدير : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم هيئة بنينا إياها ، وتكون جملة (بَنَيْناها) مبينة ل (كَيْفَ).
وأطلق البناء على خلق العلويات بجامع الارتفاع. والمراد ب (السَّماءِ) هنا ما تراه العين من كرة الهواء التي تبدو كالقبة وتسمى الجوّ.
والتزيين جعل الشيء زينا ، أي حسنا أي تحسين منظرها للرائي بما يبدو فيها من الشمس نهارا والقمر والنجوم ليلا. واقتصر على آية تزيين السماء دون تفصيل ما في الكواكب المزيّنة بها من الآيات لأن التزيين يشترك في إدراكه جميع الذين يشاهدونه وللجمع بين الاستدلال والامتنان بنعمة التمكين من مشاهدة المرائي الحسنة كما قال تعالى (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٦] في شأن خلق الأنعام في سورة النحل.
ثم يتفاوت الناس في إدراك ما في خلق الكواكب والشمس والقمر ونظامها من دلائل على مقدار تفاوت علومهم وعقولهم. والآية صالحة لإفهام جميع الطبقات.
وجملة (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) عطف على جملتي (كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها) فهي حال ثالثة في المعنى.
والفروج : جمع فرج ، وهو الخرق ، أي يشاهدونها كأنها كرة متصلة الأجزاء ليس بين أجزائها تفاوت يبدو كالخرق ولا تباعد يفصل بعضها عن بعض فيكون خرقا في قبتها.
وهذا من عجيب الصنع إذ يكون جسم عظيم كجسم كرة الهواء الجوي مصنوعا كالمفروغ في قالب. وهذا مشاهد لجميع طبقات الناس على تفاوت مداركهم ثم هم يتفاوتون في إدراك ما في هذا الصنع من عجائب التئام كرة الجوّ المحيط بالأرض.
ولو كان في أديم ما يسمى بالسماء تخالف من أجزائه لظهرت فيه فروج وانخفاض وارتفاع. ونظير هذه الآية قوله في سورة الملك (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) إلى