التطور أعظم دلالة على حكمة الله وسعة علمه مما لو كان إنبات الأزواج بالطفرة ، إذ تكون حينئذ أسباب تكوينها خفيّة فإذا كان خلق السماوات وما فيها ، ومد الأرض وإلقاء الجبال فيها دلائل على عظيم القدرة الربانية لخفاء كيفيات تكوينها فإن ظهور كيفيات التكوين في إنزال المال وحصول الإنبات والإثمار دلالة على عظيم علم الله تعالى.
والجنات : جمع جنة ، وهي ما شجر بالكرم وأشجار الفواكه والنخيل.
والحب : هو ما ينبت في الزرع الذي يخرج سنابل تحوي حبوبا مثل البرّ والشعير والذّرة والسّلت والقطاني مما تحصد أصوله ليدقّ فيخرج ما فيه من الحب.
و (حَبَّ الْحَصِيدِ) مفعول أنبتنا لأن الحب مما نبت تبعا لنبات سنبله المدلول على إنباته بقوله : (الْحَصِيدِ) إذ لا يحصد إلا بعد أن ينبت.
والحصيد : الزرع المحصود ، أي المقطوع من جذوره لأكل حبه ، فإضافة (حَبَ) إلى (الْحَصِيدِ) على أصلها ، وليست من إضافة الموصوف إلى الصفة. وفائدة ذكر هذا الوصف : الإشارة إلى اختلاف أحوال استحصال ما ينفع الناس من أنواع النبات فإن الجنات تستثمر وأصولها باقية والحبوب تستثمر بعد حصد أصولها ، على أن في ذلك الحصيد منافع للأنعام تأكله بعد أخذ حبه كما قال تعالى : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) [النازعات : ٣٣].
وخص النخل بالذكر مع تناول جنات له لأنه أهم الأشجار عندهم وثمره أكثر أقواتهم ، ولاتباعه بالأوصاف له ولطلعه مما يثير تذكر بديع قوامه ، وأنيق جماله.
والباسقات : الطويلات في ارتفاع ، أي عاليات فلا يقال : باسق للطويل الممتد على الأرض. وعن ابن شداد : الباسقات الطويلات مع الاستقامة. ولم أره لأحد من أئمة اللغة. ولعلّ مراده من الاستقامة الامتداد في الارتفاع. وهو بالسين المهملة في لغة جميع العرب عدا بني العنبر من تميم يبدلون السين صادا في هذه الكلمة. قال ابن جنيّ : الأصل السين وإنما الصاد بدل منها لاستعلاء القاف. وروى الثعلبي عن قطبة بن مالك أنه سمع النبيصلىاللهعليهوسلم في صلاة الصبح قرأها بالصاد. ومثله في ابن عطية وهو حديث غير معروف. والذي في «صحيح مسلم» وغيره عن قطبة بن مالك مروية بالسين. ومن العجيب أن الزمخشري قال : وفي قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم باصقات. وانتصب (باسِقاتٍ) على الحال. والمقصود من ذلك الإيماء إلى بديع خلقته وجمال طلعته استدلالا وامتنانا.