وقد تواطأ المفسرون على تفسير التلقّي في قوله : (الْمُتَلَقِّيانِ) بأنه تلقي الأعمال لأجل كتبها في الصحائف لإحضارها للحساب وكان تفسيرا حائما حول جعل المفعول المحذوف لفعل (يَتَلَقَّى) ما دل عليه قوله بعده (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) بدلالته الظاهرة أو بدلالة الاقتضاء. فالتقدير عندهم : إذ يتلقى المتلقيان عمل الإنسان وقوله ، فتكون هذه الجملة على تقديرهم منفصلة عن جملة (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) [ق : ١٩] كما سنبينه.
ولفخر الدين معنى دقيق فبعد أن أجمل تفسير الآية بما يساير تفسير الجمهور قال : «ويحتمل أن يقال التلقّي الاستقبال ، يقال : فلان تلقى الركب ، وعلى هذا الوجه يكون معناه : وقت ما يتلقاه المتلقّيان يكون عن يمينه وعن شماله قعيد ، فالمتلقيان على هذا الوجه هما الملكان اللذان يأخذان روحه من ملك الموت أحدهما يأخذ أرواح الصالحين وينقلها إلى السرور والآخر يأخذ أرواح الطالحين وينقلها إلى الويل والثبور إلى يوم النشور ، أي وقت تلقيهما وسؤالهما أنه من أي القبيلين يكون عند الرجل قعيد عن اليمين وقعيد عن الشمال ملكان ينزلان ، وعنده ملكان آخران كاتبان لأعماله ، ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى : (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق : ٢١]. فالشهيد هو القعيد والسائق هو المتلقي يتلقى روحه من ملك الموت فيسوقه إلى منزله وقت الإعادة ، وهذا أعرف الوجهين وأقربهما إلى الفهم» ا ه.
وكأنه ينحو به منحى قوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ* وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) [الواقعة : ٨٣ ـ ٨٥]. ولا نوقف في سداد هذا التفسير إلا على ثبوت وجود ملكين يتسلمان روح الميت من يد ملك الموت عند قبضها ويجعلانها في المقر المناسب لحالها. والمظنون بفخر الدين أنه اطلع على ذلك ، وقد يؤيده ما ذكره القرطبي في «التذكرة» عن «مسند الطيالسي» عن البراء. وعن كتاب «النسائي» عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا حضر الميت المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء يقولون : اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح وريحان وربّ راض غير غضبان ، فإذا قبضه الملك لم يدعوها في يده طرفة فتخرج كأطيب ريح المسك فتعرج بها الملائكة حتى يأتوا به باب السماء». وساق الحديث إلا أن في الحديث ملائكة جمعا وفي الآية (الْمُتَلَقِّيانِ) تثنية.
وعلى هذا الوجه يكون مفعول (يَتَلَقَّى) ما دل عليه قوله بعده (وَجاءَتْ سَكْرَةُ