فقد أعذر.
فقوله : (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) كناية عن عدم الانتفاع بالخصام كون العقاب عدلا من الله. والباء في (بِالْوَعِيدِ) مزيدة للتأكيد كقوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦]. والمعنى : وقد قدمت إليكم الوعيد قبل اليوم.
والتقديم : جعل الشيء قدام غيره.
والمراد به هنا : كونه سابقا على المؤاخذة بالشرك لأن الله توعدهم بواسطة الرسولصلىاللهعليهوسلم. فالمعنى الأول المكنّى عنه بيّن بجملة (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) ، أي لست مبطلا ذلك الوعيد ، وهو القول ، إذ الوعيد من نوع القول ، والتعريف للعهد ، أي فما أوعدتكم واقع لا محالة لأن الله تعهد أن لا يغفر لمن يشرك به ويموت على ذلك. والمعنى الثاني المكنّى عنه بين بجملة (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، أي فلذلك قدمت إليكم الوعيد.
والمبالغة التي في وصف (بِظَلَّامٍ) راجعة إلى تأكيد النفي. والمراد : لا أظلم شيئا من الظلم ، وليس المعنى : ما أنا بشديد الظلم كما قد يستفاد من توجّه النفي إلى المقيّد يفيد أن يتوجه إلى القيد لأن ذلك أغلبي. والأكثر في نفي أمثلة المبالغة أن يقصد بالمبالغة مبالغة النفي ، قال طرفة :
ولست بحلّال التلاع مخافة |
|
ولكن متى يسترفد القوم أرفد |
فإنه لا يريد نفي كثرة حلوله التلاع وإنما أراد كثرة النفي.
وذكر الشيخ في «دلائل الإعجاز» توجه نفي الشيء المقيد إلى خصوص القيد كتوجّه الإثبات سواء ، ولكن كلام التفتازانيّ في كتاب «المقاصد في أصول الدين» في مبحث رؤية الله تعالى أشار إلى استعمالين في ذلك ، فالأكثر أن النفي يتوجه إلى القيد فيكون المنفي القيد ، وقد يعتبر القيد قيدا للنفي وهذا هو التحقيق. على أني أرى أن عدّ مثل صيغة المبالغة في عداد القيود محل نظر فإن المعتبر من القيود هو ما كان لفظا زائدا على اللفظ المنفي من صفة أو حال أو نحو ذلك ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال : لست ظلّاما ، ولكن أظلم ، ويحسن أن يقال لا آتيك محاربا ولكن مسالما.
وقد أشار في «الكشاف» إلى أن إيثار وصف (بِظَلَّامٍ) هنا إيماء إلى أن المنفي لو كان غير منفي لكان ظلما شديدا فيفهم منه أنه لو أخذ الجاني قبل أن يعرّف أن عمله جناية