(بَعِيدٍ) من علامة التأنيث : إما على اعتبار (غَيْرَ بَعِيدٍ) وصفا لمكان ، وإمّا جري على الاستعمال الغالب في وصف بعيد وقريب إذا أريد البعد والقرب بالجهة دون النسب أن يجرّدا من علامة التأنيث كما قاله الفرّاء أو لأن تأنيث اسم الجنة غير حقيقي كما قال الزجاج ، وإما لأنه جاء على زنة المصدر مثل الزئير والصّليل ، كما قال الزمخشري ، ومثله قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦].
وجملة (هذا ما تُوعَدُونَ) معترضة ، فلك أن تجعلها وحدها معترضة وما بعدها متصلا بما قبلها فتكون معترضة بين البدل والمبدل منه وهما (لِلْمُتَّقِينَ) و (لِكُلِّ أَوَّابٍ) ، وتجعل (لِكُلِّ أَوَّابٍ) بدلا من (لِلْمُتَّقِينَ) ، وتكرير الحرف الذي جرّ به المبدل منه لقصد التأكيد كقوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) [سبأ : ٣٢] لمن آمن منهم الآية وقوله : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء : ١١]. واسم الإشارة المذكر مراعى فيه مجموع ما هو مشاهد عندهم من الخيرات.
والأوّاب : الكثير الأوب ، أي الرجوع إلى الله ، أي إلى امتثال أمره ونهيه.
والحفيظ : الكثير الحفظ لوصايا الله وحدوده. والمعنى : أنه محافظ على الطاعة فإذا صدرت منه فلتة أعقبها بالتوبة.
و (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) بدل من (لِكُلِّ أَوَّابٍ). والخشية : الخوف. وأطلقت الخشية على أثرها وهو الطاعة.
والباء في (بِالْغَيْبِ) بمعنى (في) الظرفية لتنزيل الحال منزلة المكان ، أي الحالة الغائبة وهي حالة عدم اطّلاع أحد عليه ، فإن الخشية في تلك الحالة تدل على صدق الطاعة لله بحيث لا يرجو ثناء أحد ولا عقاب أحد فيتعلق المجرور بالتاء بفعل (خَشِيَ). ولك أن تبقي الباء على بعض معانيها الغالبة وهي الملابسة ونحوها ويكون الغيب مصدرا والمجرور حالا من ضمير (خَشِيَ).
ومعنى (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) أنه حضر يوم الحشر مصاحبا قلبه المنيب إلى الله ، أي مات موصوفا بالإنابة ولم يبطل عمله الصالح في آخر عمره ، وهذا كقوله حكاية عن إبراهيم (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء : ٨٨ ، ٨٩].
وإيثار اسمه (الرَّحْمنَ) في قوله : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ) دون اسم الجلالة للإشارة إلى أن هذا المتقي يخشى الله وهو يعلم أنه رحمان ، ولقصد التعريض بالمشركين الذين