الغرس والبناء وتحت الجبال وإقامة السداد والحصون فيكون في معنى قوله : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها) في سورة الروم [٩].
وتعريف (الْبِلادِ) للجنس ، أي في الأرض كقوله تعالى : (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ [الفجر : ١١].
والفاء في (فَنَقَّبُوا) لتفريع عن (أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) ، أي ببطشهم وقوتهم لقبوا في البلاد.
والجملة معترضة بين جملة (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) إلى آخره.
وجملة (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) كما اعترض بالتفريع في قوله تعالى : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) [الأنفال : ١٤].
وجملة (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) بدل اشتمال من جملة (أَهْلَكْنا) ، أي إهلاكا لا منجى منه. ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة. فالاستفهام إنكاري بمعنى النفي ، ولذلك دخلت (مِنْ) على الاسم الذي بعد الاستفهام كما يقال : ما من محيص ، وهذا قريب من قوله في سورة ص [٣] (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ).
والمحيص : مصدر ميمي من حاص إذا عدل وجاد ، أي لم يجدوا محيصا من الإهلاك وهو كقوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) في سورة مريم [٩٨].
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) إلى آخرها يجوز أن تكون الإشارة بذلك إلى إهلاك القرون الأشدّ بطشا ، ويجوز أن يكون إلى جميع ما تقدم من استدلال وتهديد وتحذير من يوم الجزاء.
والذكرى : التذكرة العقلية ، أي التفكر في تدبر الأحوال التي قضت عليهم بالإهلاك ليقيسوا عليها أحوالهم فيعلموا أن سينالهم ما نال أولئك ، وهذا قياس عقلي يدركه اللبيب من تلقاء نفسه دون احتياج إلى منبه.
والقلب : العقل وإدراك الأشياء على ما هي عليه. وإلقاء السمع : مستعار لشدة الإصغاء للقرآن ومواعظ الرسول صلىاللهعليهوسلم كأنّ أسماعهم طرحت في ذلك فلا يشغلها شيء آخر تسمعه.