بالموعظة بحال هود مع قومه. وسيقت أيضا مساق الحجة على رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم وعلى عناد قومه بذكر مثال لحالهم مع رسولهم بحال عاد مع رسولهم. ولها أيضا موقع التسلية للرسولصلىاللهعليهوسلم على ما تلقاه به قومه من العناد والبهتان لتكون موعظة وتسلية معا يأخذ كل منها ما يليق به.
ولا تجد كلمة أجمع للمعنيين مع كلمة (اذْكُرْ) لأنها تصلح لمعنى الذكر اللساني بأن يراد أن يذكر ذلك لقومه ، ولمعنى الذكر بالضم بأن يتذكر تلك الحالة في نفسه وإن كانت تقدمت له وأمثالها لأن في التذكر مسلاة وإسوة كقوله تعالى : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) في سورة ص [١٧]. وكلا المعنيين ناظر إلى قوله آنفا (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) فإنه إذا قال لهم ذلك تذكروا ما يعرفون من قصص الرسل مما قصّه عليهم القرآن من قبل وتذكر هو لا محالة أحوال رسل كثيرين ثم جاءت قصة هود مثالا لذلك. ومشركو مكة إذا تذكروا في حالهم وحال عاد وجدوا الحالين متماثلين فيجدر بهم أن يخافوا من أن يصيبهم مثل ما أصابهم.
والاقتصار على ذكر عاد لأنهم أول الأمم العربية الذين جاءهم رسول بعد رسالة نوح العامة وقد كانت رسالة هود ورسالة صالح قبل رسالة إبراهيم عليهمالسلام ، وتأتي بعد ذكر قصتهم إشارة إجمالية إلى أمم أخرى من العرب كذبوا الرسل في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) [الأحقاف : ٢٧] الآية.
وأخو عاد هو هود وتقدمت ترجمته في سورة الأعراف. وعبّر عنه هنا بوصفه دون اسمه العلم لأن المراد بالذكر هنا ذكر التمثيل والموعظة لقريش بأنهم أمثال عاد في الإعراض عن دعوة رسول من أمتهم.
والأخ يراد به المشارك في نسب القبيلة ، يقولون : يا أخا بني فلان ، ويا أخا العرب ، وهو المراد هنا وقد يراد بها الملازم والمصاحب ، يقال : أخو الحرب وأخو عزمات. وقال النبي صلىاللهعليهوسلم لزيد بن حارثة «أنت أخونا ومولانا» وهو المراد في قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٦٠ ، ١٦١]. ولم يكن لوط من نسب قومه أهل سدوم.
و (إِذْ أَنْذَرَ) اسم للزمن الماضي ، وهي هنا نصب على البدل من أخا عاد ، أي اذكر زمن إنذاره قومه فهي بدل اشتمال. وذكر الإنذار هنا دون الدعوة أو الإرسال لمناسبة تمثيل حال قوم هود بحال قوم محمد صلىاللهعليهوسلم فهو ناظر إلى قوله تعالى في أول السورة