مجازية لأنهم إنما حضروا قارئ القرآن وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم. و (أَنْصِتُوا) أمر بتوجيه الأسماع إلى الكلام اهتماما به لئلا يفوت منه شيء. وفي حديث جابر بن عبد الله في حجة الوداع أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : «استنصت الناس» ، أي قبل أن يبدأ في خطبته.
وفي الحديث : «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت»
، أي قالوا كلّهم : أنصتوا ، كل واحد يقولها للبقية حرصا على الوعي فنطق بها جميعهم.
و (قُضِيَ) مبني للنائب. والضمير للقرآن بتقدير مضاف ، أي قضيت قراءته ، أي انتهى النبي صلىاللهعليهوسلم من القراءة حين حضروا وبانتهائه من القراءة تمّ مراد الله من صرف الجن ليستمعوا القرآن ف (ولّوا) ، أي انصرفوا من مكان الاستماع ورجعوا إلى حيث يكون جنسهم وهو المعبر عنه ب (قَوْمِهِمْ) على طريقة المجاز ، نزل منزلة الإنس لأجل هذه الحالة الشبيهة بحالة الناس ، فإطلاق القوم على أمة الجن نظير إطلاق النفر على الفريق من الجن المصروف إلى سماع القرآن.
والمنذر : المخبر بخبر مخيف.
ومعنى (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) رجعوا إلى بني جنسهم بعد أن كانوا في حضرة النبي صلىاللهعليهوسلم يتسمعون القرآن فأبلغوهم ما سمعوا من القرآن مما فيه التخويف من بأس الله تعالى لمن لا يؤمن بالقرآن. والتبشير لمن عمل بما جاء به القرآن. ولا شك أن الله يسّر لهم حضورهم لقراءة سورة جامعة لما جاء به القرآن كفاتحة الكتاب وسورة الإخلاص.
وجملة (قالُوا يا قَوْمَنا) إلى آخرها مبينة لقوله : (مُنْذِرِينَ). وحكاية تخاطب الجن بهذا الكلام الذي هو من كلام عربي حكاية بالمعنى إذ لا يعرف أن للجن معرفة بكلام الإنس ، وكذلك فعل (قالُوا) مجاز عن الإفادة ، أي أفادوا جنسهم بما فهموا منه بطرق الاستفادة عندهم معاني ما حكي بالقول في هذه الآية كما في قوله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل : ١٨]. وابتدءوا إفادتهم بأنهم سمعوا كتابا تمهيدا للغرض من الموعظة بذكر الكتاب ووصفه ليستشرف المخاطبون لما بعد ذلك.
ووصف الكتاب بأنه (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) دون : أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم لأن «التوراة» آخر كتاب من كتب الشرائع نزل قبل القرآن ، وأما ما جاء بعده فكتب مكملة للتوراة ومبينة لها مثل «زبور داود» و «إنجيل عيسى» ، فكأنه لم ينزل شيء جديد بعد «التوراة» فلما نزل القرآن جاء بهدي مستقل غير مقصود منه بيان التوراة ولكنه مصدق