للتوراة وهاد إلى أزيد مما هدت إليه «التوراة».
و (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) : ما سبقه من الأديان الحق. ومعنى (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) : يهدي إلى الاعتقاد الحق ضد الباطل من التوحيد وما يجب لله تعالى من الصفات وما يستحيل وصفه به.
والمراد بالطريق المستقيم : ما يسلك من الأعمال والمعاملة. وما يترتب على ذلك من الجزاء ، شبه ذلك بالطريق المستقيم الذي لا يضل سالكه عن القصد من سيره. ويجوز أن يراد ب (الْحَقِ) ما يشمل الاعتقاد والأعمال الصالحة ويراد بالطريق المستقيم الدلائل الدالة على الحق وتزييف الباطل فإنها كالصراط المستقيم في إبلاغ متبعها إلى معرفة الحق.
وإعادتهم نداء قومهم للاهتمام بما بعد النداء وهو (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) إلى آخره لأنه المقصود من توجيه الخطاب إلى قومهم وليس المقصود إعلام قومهم بما لقوا من عجيب الحوادث وإنما كان ذلك توطئة لهذا ، ولأن اختلاف الأغراض وتجدّد الغرض مما يقتضي إعادة مثل هذا النداء كما يعيد الخطيب قوله : «أيها الناس» كما وقع في خطبة حجة الوداع. واستعير (أَجِيبُوا) لمعنى : اعملوا وتقلدوا تشبيها للعمل بما في كلام المتكلم بإجابة نداء المنادي كما في الآية : (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم : ٢٢] أي إلا أن أمرتكم فأطعتموني لأن قومهم لم يدعهم داع إلى شيء ، أي أطيعوا ما طلب منكم أن تعملوه.
وداعي الله يجوز أن يكون القرآن لأنه سبق في قولهم : (إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى). وأطلق على القرآن (داعِيَ اللهِ) مجازا لأنه يشتمل على طلب الاهتداء بهدي الله ، فشبه ذلك بدعاء إلى الله واشتق منه وصف للقرآن بأنه (داعِيَ اللهِ) على طريقة التّبعيّة وهي تابعة لاستعارة الإجابة لمعنى العمل. ويجوز أن يكون (داعِيَ اللهِ) محمداصلىاللهعليهوسلم لأنه يدعو إلى الله بالقرآن. وعطف (وَآمِنُوا بِهِ) على (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) عطف خاص على عام.
وضمير (بِهِ) عائد إلى (اللهِ) ، أي وآمنوا بالله ، وهو المناسب لتناسق الضمائر مع (يَغْفِرْ لَكُمْ) و (يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أو عائد إلى داعي الله ، أي آمنوا بما فيه أو آمنوا بما جاء به ، وعلى الاحتمالين الأخيرين يقتضي أن هؤلاء الجن مأمورون بالإسلام.