ووقع (بَلى) جوابا عن الاستفهام الإنكاري. ولا يريبك في هذا ما شاع على ألسنة المعربين أن الاستفهام الإنكاري في تأويل النفي ، وهو هنا اتصل بفعل منفي ب (لم) فيصير نفي النفي إثباتا ، فكان الشأن أن يكون جوابه بحرف (نعم) دون (بَلى) ، لأن كلام المعربين أرادوا به أنه في قوة منفي عند المستفهم به ، ولم يريدوا أنه يعامل معاملة النفي في الأحكام. وكون الشيء بمعنى شيء لا يقتضي أن يعطى جميع أحكامه.
ومحل التعجيب هو خبر (أَنَ) وأما ما قبله فالمشركون لا ينكرونه فلا تعجيب في شأنه. ووقوع الباء في خبر (أَنَ) وهو (بِقادِرٍ) باعتبار أنه في حيّز النفي لأن العامل فيه وهو حرف (أَنَ) وقع في موضع مفعولي فعل (يَرَوْا) الذي هو منفي فسرى النفي للعامل ومعموله ، فقرن بالباء لأجل ذلك ، وفي «الكشاف» «قال الزجاج لو قلت : ما ظننت أن زيدا بقائم جاز ، كأنه قيل : أليس الله بقادر» ا ه. وقال أبو عبيدة والأخفش : الباء زائدة للتوكيد كالباء في قوله : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء : ٧٩] يريدان أنها زائدة في الإثبات على وجه الندور.
وأما موقع الجواب بحرف (بَلى) فهو جواب لمحذوف دل عليه التعجيب من ظنهم أن الله غير قادر على أن يحيي الموتى ، فإن ذلك يتضمن حكاية عنهم أن الله لا يحيي الموتى ، فأجيب بقوله : (بَلى) تعليما للمسلمين وتلقينا لما يجيبونهم به. وحرف (بَلى) لما كان جوابا كان قائما مقام جملة تقديرها : هو قادر على أن يحيي الموتى.
وجملة (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) عطف على جملة (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ). وقوله : (لَمْ يَعْيَ) مضارع عيي من باب رضي ، ومصدره العيّ بكسر العين وهو العجز عن العمل أو عن الكلام ، ومنه العيّ في الكلام ، أي عسر الإبانة. وتعديته بالباء هنا بلاغة ليفيد انتفاء عجزه عن صنعها وانتفاء عجزه في تدبير مقاديرها ومناسباتها ، فكانت باء الملابسة صالحة لتعليق الخلق بالعي بمعنييه.
وكثير من أئمة اللغة يرون أن العيّ يطلق على التعب وعن عجز الرأي وعجز الحيلة. وعن الكسائي والأصمعي : العيّ خاص بالعجز في الحيلة والرأي. وأما الإعياء فهو التعب من المشي ونحوه ، وفعله أعيا ، وهذا ما درج عليه الراغب وصاحب «القاموس».
وظاهر الأساس : أن أعيا لا يكون إلا متعديا ، أي همزته همزة تعدية فهذا قول ثالث.