والخروج : مغادرة مكان معيّن محصورا وغير محصور ، فمنه (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَالسِّجْنِ) [يوسف : ١٠٠] ، ومنه (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) [الأعراف : ١١٠]. والخروج من عند النبي صلىاللهعليهوسلم مغادرة مجلسه الذي في المسجد وهو الذي عبر عنه هنا بلفظ (عِنْدِكَ).
و (مَنْ) لتعدية فعل (خَرَجُوا) وليست التي تزاد مع الظروف في نحو قوله تعالى: (مِنْ عِنْدِ اللهِ) [البقرة : ٨٩].
والذين أوتوا العلم : هم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الملازمون لمجلسه وسمّي منهم عبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وابن عبّاس. وروي عنه أنه قال : أنا منهم وسئلت فيمن سئل. المعنى: أنهم يستمعون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم من القرآن وما يقوله من الإرشاد وحذف مفعول (يَسْتَمِعُ) ليشمل ذلك.
ومعنى (آنِفاً) : وقتا قريبا من زمن التكلم ، ولم ترد هذه الكلمة إلا منصوبة على الظرفية. قال الزجاج : هو من استأنف الشيء إذا ابتدأه ا ه يريد أنه مشتق من فعل مزيد ولم يسمع له فعل مجرد ، وظاهر كلامهم أن اشتقاقه من الاسم الجامد وهو الأنف ، أي جارحة الشمّ وكأنهم عنوا به أنف البعير لأن الأنف أول ما يبدو لراكبه فيأخذ بخطامه ، فلوحظ في اسم الأنف معنى الوصف بالظهور ، وكني بذلك عن القرب ، وقال غيره : هو مشتق من أنف بضم الهمزة وضم النون يوصف به الكأس التي لم يشرب منها من قبل ، وتوصف به الروضة التي لم ترع قبل ، كأنهم لاحظوا فيها لازم وصف عدم الاستعمال وهو أنه جديد ، أي زمن قريب ، ف (آنِفاً) زمانا لم يبعد العهد به. قال ابن عطية : «والمفسّرون يقولون : (آنِفاً) معناه : الساعة القريبة منا وهذا تفسير المعنى» ا ه. وفي كلامه نظر لأن أهل اللغة فسروه بوقت يقرب منا. وصيغ على زنة اسم الفاعل وليس فيه معنى اسم الفاعل ، فهذا اسم غريب التصريف ولا يحفظ شيء من شعر العرب وقع فيه هذا اللفظ.
واتفق القراء على قراءته بصيغة فاعل وشذت رواية عن البزي عن ابن كثير أنه قرأ (آنِفاً) بوزن كتف. وقد أنكر بعض علماء القراءات نسبتها إلى ابن كثير ولكن الشاطبي أثبتها في حرز الأماني وقد ذكرها أبو علي في الحجة. فإذا صحت هذه الرواية عن البزّي عنه كان (آنِفاً) حالا من ضمير (مَنْ يَسْتَمِعُ) أجري على الإفراد رعيا للفظ (مَنْ). ومعناه : أنه يقول ذلك في حال أنه شديد الأنفة ، أي التكبر إظهارا لترفعه عن وعي ما يقوله النبي صلىاللهعليهوسلم وينتهي الكلام عند ما ذا. وزعم أبو علي في الحجة : أن البزي توهمه مثل : حاذر وحذر. ولا يظن مثل هذا بالبزي لو صحت الرواية عنه عن ابن كثير.