في الدنيا منزلة العدم لضالة أمره بعد أن نزلوا منزلة من ينتظرون فيما ينتظرون الساعة لأنهم لتحقق حلوله عليهم جديرون بأن يكونوا من منتظريها.
و (أَنْ تَأْتِيَهُمْ) بدل اشتمال من الساعة. و (بَغْتَةً) حال من الساعة قال تعالى: (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف : ١٨٧]. والبغتة : الفجأة ، وهو مصدر بمعنى : المرة ، والمراد به هنا الوصف ، أي مباغتة لهم.
ومعنى الكلام : أن الساعة موعدهم وأن الساعة قريبة منهم ، فحالهم كحال من ينتظر شيئا فإنما يكون الانتظار إذا اقترب موعد الشيء ، هذه الاستعارة تهكمية.
والفاء من قوله : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) فاء الفصيحة كالتي في قول عباس بن الأحنف :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثم القفول فقد جئنا خراسانا |
وهذه الفصيحة تفيد معنى تعليل قرب مؤاخذتهم.
والأشراط : جمع شرط بفتحتين ، وهو : العلامة والأمارة على وجود شيء أو على وصفه. وعلامات الساعة هي علامات كونها قريبة. وهذا القرب يتصور بصورتين :
إحداهما أن وقت الساعة قريب قربا نسبيا بالنسبة إلى طول مدة هذا العالم ومن عليه من الخلق.
والثانية : أن ابتداء مشاهدة أحوال الساعة يحصل لكل أحد بموته فإن روحه إذا خلصت عن جسده شاهدت مصيرها مشاهدة إجمالية وبه فسر حديث أبي هريرة مرفوعا «القبر روضة من رياض الجنة أو حفر من حفر النار» رواه الترمذي. وهو ضعيف ويفسره حديث ابن عمر مرفوعا «إذا مات الميت عرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ثم يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة» ونهاية حياة المرء قريبة وإن طال العمر.
والأشراط بالنسبة للصورة الأولى : الحوادث التي أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم أنها تقع بين يدي الساعة ، وأولها بعثته لأنه آخر الرسل وشريعته آخر الشرائع ثم ما يكون بعد ذلك ، وبالنسبة للصورة الثانية أشراطها الأمراض والشيخوخة.
(فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ).