فتكون عليهم الهزيمة ويخسروا أنفسهم باطلا ، وإمّا أن ينخزلوا عن القتال كما فعل ابن أبيّ وأتباعه يوم أحد.
وإذا ظرف للزمان المستقبل وهو الغالب فيها فيكون ما بعدها مقدرا وجوده ، أي فإذا جدّ أمر القتال وحدث.
وجملة (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) دليل جواب (فَإِذا) لأن إذا ضمنت هنا معنى الشرط ، أي كذبوا الله وأخلفوا فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ، واقتران جملة الجواب بالفاء للدلالة على تضمين إذا معنى الشرط ، وذلك أحسن من تجريده عن الفاء إذا كانت جملة الجواب شرطية أيضا.
والتعريف في (الْأَمْرُ) تعريف العهد ، أو اللام عن المضاف إليه ، أي أمر القتال المتقدم آنفا في قوله : (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ).
والعزم : القطع وتحقق الأمر ، أي كونه لا محيص منه. واستعير العزم للتعيين واللزوم على طريقة المكنية بتشبيه ما عبر عنه بالأمر ، أي القتال برجل عزم على عمل ما وإثبات العزم له تخييلة كإثبات الأظفار للمنية ، وهذه طريقة السكاكي في جميع أمثلة المجاز العقلي ، وهي طريقة دقيقة لكن بدون اطراد ولكن عند ما يسمح به المقام. وجعل في «الكشاف» إسناد العزم إلى الأمر مجازا عقليا ، وحقيقته أن يسند لأصحاب العزم على طريق الجمهور في مثله وهو هنا بعيد إذ ليس المعنى على حصول الجد من أصحاب الأمر ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان : ١٧] فالكلام فيها سواء.
ومعنى (صَدَقُوا اللهَ) قالوا له الصدق ، وهو مطابقة الكلام لما في نفس الأمر ، أي لو صدقوا في قولهم : نحن مؤمنون ، وهم إنما كذبوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ أظهروا له خلاف ما في نفوسهم ، فجعل الكذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم كذبا على الله تفظيعا له وتهويلا لمغبته ، أي لو أخلصوا الإيمان وقاتلوا بنية الجهاد لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا خير العزة والحرمة وفي الآخرة خير الجنة.
فهذه الآية إنباء مما سيكون منهم حين يجد الجد ويجيء أوان القتال وهي من معجزات القرآن في الإخبار بالغيب فقد عزم أمر القتال يوم أحد وخرج المنافقون مع جيش المسلمين في صورة المجاهدين فلما بلغ الجيش إلى الشوط بين المدينة وأحد قال عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين : ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟