و (السَّبِيلَ) : الطريق ، وهو هنا مستعار لما يفعله الإنسان من أعماله وتصرفاته تشبيها للأعمال بطريق يمشي فيه الماشي تشبيه المحسوس بالمعقول.
ويجوز أن يكون مستعارا لمسقط المولود من بطن أمه فقد أطلق على ذلك الممر اسم السبيل في قولهم : «السبيلان» فيكون هذا من استعمال اللفظ في مجازيه. وفيه مناسبة لقوله بعده : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) ، ف (أَماتَهُ) مقابل (خَلَقَهُ) و (أقبره) مقابل (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) لأن الإقبار إدخال في الأرض وهو ضد خروج المولود إلى الأرض.
والتيسير : التسهيل ، و (السَّبِيلَ) منصوب بفعل مضمر على طريق الاشتغال ، والضمير عائد إلى (السَّبِيلَ) والتقدير : يسّر السبيل له ، كقوله : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) [القمر : ١٧] أي لذكر الناس.
وتقديم (السَّبِيلَ) على فعله للاهتمام بالعبرة بتيسير السبيل بمعنييه المجازيين ، وفيه رعاية للفواصل.
وكذلك عطف (ثُمَّ أَماتَهُ) على (يَسَّرَهُ) بحرف التراخي هو لتراخي الرتبة فإن انقراض تلك القوى العقلية والحسيّة بالموت ، بعد أن كانت راسخة زمنا ما ، انقراض عجيب دون تدريج ولا انتظار زمان يساوي مدة بقائها ، وهذا إدماج للدلالة على عظيم القدرة.
ومن المعلوم بالضرورة أن الكثير الذي لا يحصى من أفراد النوع الإنساني قد صار أمره إلى الموت وأن من هو حيّ آيل إلى الموت لا محالة ، فالمعنى : ثم أماته ويميته.
فصيغة المضي في قوله : (أَماتَهُ) مستعملة في حقيقته وهو موت من مات ، ومجازه وهو موت من سيموتون ، لأن موتهم في المستقبل محقق. وذكر جملة : (ثُمَّ أَماتَهُ) توطئة وتمهيد لجملة (فَأَقْبَرَهُ)
وإسناد الإماتة إلى الله تعالى حقيقة عقلية بحسب عرف الاستعمال. وهذا إدماج للامتنان في خلال الاستدلال كما أدمج : (فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) فيما سبق.
و (أقبره) جعله ذا قبر ، وهو أخص من معنى قبره ، أي أن الله سبّب له أن يقبر. قال الفراء : «أي جعله مقبورا ، ولم يجعله ممن يلقى للطير والسباع ولا ممن يلقى في النواويس» (جمع ناووس صندوق من حجر أو خشب يوضع فيه الميت ويجعل في بيت أو نحوه).