كما تقدم.
وموقع (كَلَّا) على هذا التأويل موقع الجواب بالإبطال ، وموقع جملة : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) موقع العلة للإبطال ، أي لو قضى ما أمره الله به لعلم بطلان زعمه أنه لا ينشر.
وتأوله في «الكشاف» بأنه : «ردع للإنسان عما هو عليه» أي ممّا ذكر قبله من شدة كفره واسترساله عليه دون إقلاع ، يريد أنه زجر عن مضمون : (ما أَكْفَرَهُ) [عبس : ١٧].
ومنهم من يجعل الردع متوجها إلى ما بعد (كَلَّا) مما يومئ إليه قوله تعالى : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) أي ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله الذي نبهه إليه بدعوة الرسل وبإيداع قوة التفكير فيه ، ويستروح هذا من كلام روي عن مجاهد ، وهو أقرب لأن ما بعد (كَلَّا) لما كان نفيا ناسب أن يجعل (كَلَّا) تمهيدا للنفي.
وموقع (كَلَّا) على هذا الوجه أنها جزء من استئناف.
وموقع جملة : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) استئناف بياني نشأ عن مضمون جملة : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) إلى قوله : (أَنْشَرَهُ) [عبس : ١٨ ـ ٢٢] ، أي إنما لم يهتد الكافر إلى دلالة الخلق الأول على إمكان الخلق الثاني ، لأنه لم يقض حق النظر الذي أمره الله.
وأما الذين لم يلتزموا معنى الزجر في (كَلَّا) وهم الكسائي القائل : تكون (كَلَّا) بمعنى حقا ، ووافقه ثعلب وأبو حاتم السجستاني القائل : تكون (كَلَّا) بمعنى (ألّا) الاستفتاحية.
والنضر بن شميل والفرّاء القائلان : تكون (كَلَّا) حرف جواب بمعنى نعم. فهؤلاء تأويل الكلام على رأيهم ظاهر.
وعن الفراء (كَلَّا) تكون صلة (أي حرفا زائدا للتأكيد) كقولك : كلّا ورب الكعبة ا ه. وهذا وجه إليه ولا يتأتى في هذه الآية.
فالوجه في موقع (كَلَّا) هنا أنه يجوز أن تكون زجرا عما يفهم من قوله : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [عبس : ٢٢] المكنى به عن فساد استدلالهم بتأخيره على أنه لا يقع فيكون الكلام على هذا تأكيدا للإبطال الذي في قوله : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) [عبس : ١١] باعتبار معناه الكنائي إن كان صريح معناه غير باطل فقوله : (إِذا شاءَ) مؤذن بأنه الآن لم يشأ وذلك مؤذن بإبطال أن يقع البعث عند ما يسألون وقوعه ، أي أنا لا نشاء إنشارهم الآن وإنما