[أبي] (١) حاتم بسنده إلى ابن عباس : «يسيل واد من أصل العرش فيما بين الصيحتين فينبت منه كلّ خلق بلي إنسان أو دابة ولو مرّ عليهم مارّ قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم قد نبتوا على وجه الأرض ، ثم ترسل الأرواح فتزوج الأجساد» ا ه. وأمور الآخرة لا تتصورها الأفهام بالكنه وإنما يجزم العقل بأنها من الممكنات وهي مطيعة لتعلق القدرة التنجيزي.
والإنسان المذكور هنا هو الإنسان المذكور في قوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) [عبس : ١٧] وإنما جيء باسمه الظاهر دون الضمير كما في قوله : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [عبس : ١٨] ، لأن ذلك قريب من معاده وما هنا ابتداء كلام فعبر فيه بالاسم الظاهر للإيضاح.
وأدمج في ذلك منة عليه بالإمداد بالغذاء الذي به إخلاف ما يضمحل من قوته بسبب جهود العقل والتفكير الطبيعية التي لا يشعر بحصولها في داخل المزاج ، وبسبب كد الأعمال البدنية والإفرازات ، وتلك أسباب لتبخر القوى البدنية فيحتاج المزاج إلى تعويضها وإخلافها وذلك بالطعام والشراب.
وإنما تعلق النظر بالطعام مع أن الاستدلال هو بأحوال تكوين الطعام ، إجراء للكلام على الإيجاز ويبينه ما في الجمل بعده من قوله : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) إلى آخرها.
فالتقدير : فلينظر الإنسان إلى خلق طعامه وتهيئة الماء لإنمائه وشق الأرض وإنباته وإلى انتفاعه به وانتفاع مواشيه في بقاء حياتهم.
وقرأ الجمهور : (أَنَّا صَبَبْنَا) بكسر همزة (إنّا) على أن الجملة بيان لجملة : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) لتفصيل ما أجمل هنالك على وجه الإيجاز. وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب بفتح الهمزة على أنه اسم بدل اشتمال من (طَعامِهِ) أو البدل الذي يسميه بعض النحويين بدل مفصّل من مجمل.
والصّب : إلقاء صبرة متجمعة من أجزاء مائعة أو كالمائعة في الدقة في وعاء غير الذي كانت فيه ، يقال : صب الماء في الجرة ، وصب القمح في الهري ، وصبّ الدراهم في الكيس. وأصله : صبّ الماء ، مثل نزول المطر وإفراغ الدلو.
والشق : الإبعاد بين ما كان متصلا. والمراد هنا شقّ سطح الأرض بخرق الماء فيه أو بآلة كالمحراث والمسحاة ، أو بقوة حرّ الشمس في زمن الصيف لتتهيأ لقبول الأمطار في فصل الخريف والشتاء.
__________________
(١) زيادة من «تفسير ابن كثير» عند شرح الآية ، والنقل منه بتصرف.