وإسناد الصّب والشق والإنبات إلى ضمير الجلالة لأن الله مقدّر نظام الأسباب المؤثرة في ذلك ، ومحكم نواميسها وملهم الناس استعمالها.
فالإسناد مجاز عقلي في الأفعال الثلاثة. وقد شاع في (صَبَبْنَا) و (أنبتنا) حتى ساوى الحقيقة العقلية.
وانتصب (صَبًّا) و (شَقًّا) على المفعول المطلق ل (صَبَبْنَا) و (شَقَقْنَا) مؤكّدا لعامله ليتأتى تنوينه لما في التنكير من الدلالة على التعظيم وتعظيم كل شيء بما يناسبه وهو تعظيم تعجيب.
والفاء في قوله : (فَأَنْبَتْنا) للتفريع والتعقيب وهو في كل شيء بحسبه.
والحب أريد منه المقتات منه للإنسان ، وقد تقدم في قوله تعالى : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) في سورة البقرة [٢٦١].
والعنب : ثمر الكرم ، ويتخذ منه الخمر والخل ، ويؤكل رطبا ، ويتخذ منه الزبيب.
والقضب : الفصفصة الرطبة ، سميت قضبا لأنها تعلف للدواب رطبة فتقضب ، أي تقطع مرة بعد أخرى ولا تزال تخلف ما دام الماء ينزل عليها ، وتسمى القت.
والزيتون : الثمر الذي يعصر منه الزيت المعروف.
والنخل : الشجر الذي ثمرته التمر وأطواره.
والحدائق : جمع حديقة وهي الجنة من نخل وكرم وشجر فواكه ، وعطفها على النخل من عطف الأعم على الأخص ، ولأن في ذكر الحدائق إدماجا للامتنان بها لأنها مواضع تنزههم واخترافهم.
وإنما ذكر النخل دون ثمرته ، وهو التمر ، خلافا لما قرن به من الثمار والفواكه والكلأ ، لأن منافع شجر النخيل كثيرة لا تقتصر على ثمره ، فهم يقتاتون ثمرته من تمر ورطب وبسر ، ويأكلون جمّاره ، ويشربون ماء عود النخلة إذا شق عنه ، ويتخذون من نوى التمر علفا لإبلهم ، وكل ذلك من الطعام ، فضلا عن اتخاذهم البيوت والأواني من خشبه ، والحصر من سعفه ، والحبال من ليفه. فذكر اسم الشجرة الجامعة لهذه المنافع أجمع في الاستدلال بمختلف الأحوال وإدماج الامتنان بوفرة النعم ، وقد تقدم قريبا في سورة النبأ.
والغلب : جمع غلباء ، وهي مؤنث الأغلب ، وهو غليظ الرقبة ، يقال : غلب كفرح،