قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) [الروم : ٥٤].
وتطلق القوة مجازا على ثبات النفس على مرادها والإقدام ورباطة الجأش ، قال تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) [مريم : ١٢] وقال : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) [البقرة : ٦٣] ، فوصف جبريل ب (ذِي قُوَّةٍ) يجوز أن يكون شدة المقدرة كما وصف بذلك في قوله تعالى : (ذُو مِرَّةٍ) [النجم : ٦] ، ويجوز أن يكون في القوة المجازية وهي الثبات في أداء ما أرسل به كقوله تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) [النجم : ٥] لأنّ المناسب للتعليم هو قوة النفس ، وأما إذا كان المراد محمد صلىاللهعليهوسلم فوصفه ب (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) يراد بها المعنى المجازي وهو الكرامة والاستجابة له.
والمكين : فعيل ، صفة مشبهة من مكن بضم الكاف مكانة ، إذا علت رتبته عند غيره ، قال تعالى في قصة يوسف مع الملك : (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) [يوسف : ٥٤].
وتوسيط قوله : (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) بين (ذِي قُوَّةٍ) و (مَكِينٍ) ليتنازعه كلا الوصفين على وجه الإيجاز ، أي هو ذو قوة عند الله ، أي جعل الله مقدرة جبريل تخوّله أن يقوم بعظيم ما يوكله الله به مما يحتاج إلى قوة القدرة وقوة التدبير ، وهو ذو مكانة عند الله وزلفى.
ووصف النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك على نحو ما تقدم.
والعندية عندية تعظيم ، وعناية ، ف (عند) للمكان المجازي الذي هو بمعنى الاختصاص والزلفى.
وعدل عن اسم الجلالة إلى (ذِي الْعَرْشِ) بالنسبة إلى جبريل لتمثيل حال جبريل ومكانته عند الله بحالة الأمير الماضي في تنفيذ أمر الملك وهو بمحل الكرامة لديه.
وأما بالنسبة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فللإشارة إلى عظيم شأنه إذ كان ذا قوة عند أعظم موجود شأنا.
الوصف الرابع : (مُطاعٍ) أن يطيعه من معه من الملائكة كما يطيع الجيش قائدهم ، أو النبي صلىاللهعليهوسلم مطاع : أي مأمور الناس بطاعة ما يأمرهم به.
و (ثَمَ) بفتح الثاء اسم إشارة إلى المكان ، والمشار إليه هو المكان المجازي الذي