إلا أن يغره به غار ، فيحتمل أن يكون الغرور موجودا ويحتمل أن لا يكون غرورا.
والغرور : الإطماع بما يتوهمه المغرور نفعا وهو ضرّ ، وفعله قد يسند إلى اسم ذات المطمع حقيقة مثل : (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [لقمان : ٣٣] أو مجازا نحو : (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [الجاثية : ٣٥] فإن الحياة زمان الغرور ، وقد يسند إلى اسم معنى من المعاني حقيقة نحو : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) [آل عمران : ١٩٦]. وقول امرئ القيس :
أغرّك مني أن حبك قاتلي
أو مجازا نحو قوله تعالى : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام : ١١٢].
ويتعدى فعله إلى مفعول واحد ، وقد يذكر مع مفعوله اسم ما يتعلق الغرور بشئونه فيعدى إليه بالباء ، ومعنى الباء فيه الملابسة كما في قوله : (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [لقمان : ٣٣] ، أي لا يغرنكم غرورا متلبسا بشأن الله ، أي مصاحبا لشئون الله مصاحبة مجازية وليست هي باء السببية كما يقال : غره ببذل المال ، أو غرّه بالقول. وإذ كانت الملابسة لا تتصوّر ماهيتها مع الذوات فقد تعين في باء الملابسة إذا دخلت على اسم ذات أن يكون معها تقدير شأن من شئون الذات يفهم من المقام ، فالمعنى هنا : ما غرك بالإشراك بربك كما يدل عليه قوله : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) الآية فإن منكر البعث يومئذ لا يكون إلّا مشركا.
وإيثار تعريف الله بوصف «ربك» دون ذكر اسم الجلالة لما في معنى الرب من الملك والإنشاء والرفق ، ففيه تذكير للإنسان بموجبات استحقاق الرب طاعة مربوبه فهو تعريض بالتوبيخ.
وكذلك إجراء وصف الكريم دون غيره من صفات الله للتذكير بنعمته على الناس ولطفه بهم فإن الكريم حقيق بالشكر والطاعة.
والوصف الثالث الذي تضمنته الصلة : (فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ) جامع لكثير مما يؤذن به الوصفان الأولان فإن الخلق والتسوية والتعديل وتحسين الصورة من الرفق بالمخلوق ، وهي نعم عليه وجميع ذلك تعريض بالتوبيخ على كفران نعمته بعبادة غيره.
وذكر عن صالح بن مسمار قال : بلغنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم تلا هذه الآية فقال : «غره جهله» ، ولم يذكر سندا.