معنى الرعاية والقيام على ما يوكل إلى الحفيظ ، والأمانة على ما يوكل إليه.
وحرف (على) فيه للاستعلاء لتضمنه معنى الرقابة والسلطة.
وأما وصف الكرم فهو النفاسة في النوع كما تقدم في قوله تعالى : (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) في سورة النمل [٢٩].
فالكرم صفتهم النفسية الجامعة للكمال في المعاملة وما يصدر عنهم من الأعمال ، وأما صفة الكتابة فمراد بها ضبط ما وكّلوا على حفظه ضبطا لا يتعرض للنسيان ولا للإجحاف ولا للزيادة ، فالكتابة مستعارة لهذا المعنى ، على أن حقيقة الكتابة بمعنى الخط غير ممكنة بكيفية مناسبة لأمور الغيب.
وأما صفة العلم بما يفعله الناس فهو الإحاطة بما يصدر عن الناس من أعمال وما يخطر ببالهم من تفكير مما يراد به عمل خير أو شر وهو الهم.
و (ما تَفْعَلُونَ) يعم كل شيء يفعله الناس وطريق علم الملائكة بأعمال الناس مما فطر الله عليه الملائكة الموكّلين بذلك.
ودخل في (ما تَفْعَلُونَ) : الخواطر القلبية لأنها من عمل القلب أي العقل فإن الإنسان يعمل عقله ويعزم ويتردد ، وإن لم يشع في عرف اللغة إطلاق مادة الفعل على الأعمال القلبية.
واعلم أنه ينتزع من هذه الآية أن هذه الصفات الأربع هي عماد الصفات المشروطة في كل من يقوم بعمل للأمة في الإسلام من الولاة وغيرهم فإنهم حافظون لمصالح ما استحفظوا عليه وأول الحفظ الأمانة وعدم التفريط.
فلا بد فيهم من الكرم وهو زكاء الفطرة ، أي طهارة النفس.
ومن الضبط فيما يجري على يديه بحيث لا تضيع المصالح العامة ولا الخاصة بأن يكون ما يصدره مكتوبا ، أو كالمكتوب مضبوطا لا يستطاع تغييره ، ويمكن لكل من يقوم بذلك العمل بعد القائم به ، أو في مغيبه أن يعرف ما ذا أجري فيه من الأعمال ، وهذا أصل عظيم في وضع الملفات للنوازل والتراتيب ، ومنه نشأت دواوين القضاة ، ودفاتر الشّهود ، والخطاب على الرسوم ، وإخراج نسخ الأحكام والأحباس وعقود النكاح.
ومن إحاطة العلم بما يتعلق بالأحوال التي تسند إلى المؤتمن عليها بحيث لا يستطيع