واجتمعت كلمة المفسرين على أن أهل يثرب كانوا من أخبث الناس كيلا فقال جماعة من المفسرين : إن هذه الآية نزلت فيهم فأحسنوا الكيل بعد ذلك. رواه ابن ماجه عن ابن عباس.
وكان ممن اشتهر بالتطفيف في المدينة رجل يكنى أبا جهينة واسمه عمرو كان له صاعان يأخذ بأحدهما ويعطي بالآخر.
فجملة (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) إدماج ، مسوقة لكشف عادة ذميمة فيهم هي الحرص على توفير مقدار ما يبتاعونه بدون حق لهم فيه ، والمقصود الجملة المعطوفة عليها وهي جملة : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) فهم مذمومون بمجموع ضمن الجملتين.
والاكتيال : افتعال من الكيل ، وهو يستعمل في تسلم ما يكال على طريقة استعمال أفعال : ابتاع ، وارتهن ، واشترى ، في معنى أخذ المبيع وأخذ الشيء المرهون وأخذ السلعة المشتراة ، فهو مطاوع كال ، كما أن ابتاع مطاوع باع ، وارتهن مطاوع رهن ، واشترى مطاوع شرى ، قال تعالى : (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) [يوسف : ٦٣] أي نأخذ طعاما مكيلا ، ثم تنوسي منه معنى المطاوعة.
وحق فعل اكتال أن يتعدى إلى مفعول واحد هو المكيل ، فيقال : اكتال فلان طعاما مثل ابتاع ، ويعدى إلى ما زاد على المفعول بحرف الجر مثل (من) الابتدائية فيقال : اكتال طعاما من فلان ، وإنما عدي في الآية بحرف (عَلَى) لتضمين (اكْتالُوا) معنى التحامل ، أي إلقاء المشقة على الغير وظلمه ، ذلك أن شأن التاجر وخلقه أن يتطلب توفير الربح وأنه مظنة السعة ووجود المال بيده فهو يستعمل حاجة من يأتيه بالسلعة ، وعن الفراء (من) و (على) يتعاقبان في هذا الموضع لأنه حق عليه فإذا قال : اكتلت عليك ، فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قال : اكتلت منك فكقوله : استوفيت منك.
فمعنى : (اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) اشتروا من الناس ما يباع بالكيل ، فحذف المفعول لأنه معلوم في فعل (اكْتالُوا) أي اكتالوا مكيلا ، ومعنى كالوهم باعوا للناس مكيلا فحذف المفعول لأنه معلوم.
فالواوان من (كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) عائدان إلى اسم الموصول والضميران المنفصلان عائدان إلى الناس.