وأصل فعله أن يسند إلى الشيء الذي أصابه الرين ، فيقال : ران السيف وران الثوب ، إذا أصابه الرين ، أي صار ذا رين ، ولما فيه من معنى التغطية أطلق على التغطية فجاء منه فعل ران بمعنى غشي ، فقالوا : ران النعاس على فلان ، ورانت الخمر ، وكذلك قوله تعالى : (رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) هو من باب ران الرين على السيف ، وليس من باب ران السيف ، ومن استعمال القرآن هذا الفعل صار الناس يقولون : رين على قلب فلان وفلان مرين على قلبه.
والمعنى : غطّت على قلوبهم أعمالهم أن يدخلها فهم القرآن والبون الشاسع بينه وبين أساطير الأولين.
وقرأ الجمهور بإدغام اللام في الراء بعد قلبها راء لتقارب مخرجيها.
وقرأه عاصم بالوقف على لام (بل) والابتداء بكلمة ران تجنبا للإدغام.
وقرأه حفص بسكتة خفيفة على لام (بَلْ) ليبين أنها لام. قال في «اللسان» : إظهار اللام لغة لأهل الحجاز. قال سيبويه : هما حسنان ، وقال الزجاج : الإدغام أرجح.
والقلوب : العقول ومحال الإدراك. وهذا كقوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) في سورة البقرة [٧].
ومن كلام رعاة الأعراب يخاطبون إبلهم في زمن شدة البرد إذا أوردوها الماء فاشمأزت منه لبرده «برّديه تجديه سخينا» أي بل رديه وذلك من الملح الشبيهة بالمعاياة إذ في ظاهره طلب تبريده وأنه بالتبريد يوجد سخينا.
و (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ما عملوه سالفا من سيئات أعمالهم وجماحهم عن التدبر في الآيات حتى صار الإعراض والعناد خلقا متأصلا فيهم فلا تفهم عقولهم دلالة الأدلة على مدلولاتها.
روى الترمذي عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب صقل قلبه فإن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه وهو الران الذي ذكر الله في كتابه : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
ومجيء (يَكْسِبُونَ) بصيغة المضارع دون الماضي لإفادة تكرر ذلك الكسب وتعدده في الماضي.