(الَّذِينَ آمَنُوا) ، ويجوز العكس ، وأما ضمير (يَتَغامَزُونَ) فمتمحّض للعود إلى (الَّذِينَ أَجْرَمُوا)
والمعنى : وإذا مرّ المؤمنون بالذين أجرموا وهم في مجالسهم يتغامز المجرمون حين مرور المؤمنين أو وإذا مرّ الذين أجرموا بالذين آمنوا وهم في عملهم وفي عسر حالهم يتغامز المجرمون حين مرورهم ، وإنما يتغامزون من دون إعلان السخرية بهم اتقاء لتطاول المؤمنين عليهم بالسب لأن المؤمنين قد كانوا كثيرا بمكة حين نزول هذه السورة ، فكان هذا دأب المشركين في معاملتهم وهو الذي يقرّعون به يوم القيامة.
والانقلاب : الرجوع إلى الموضع الذي جيء منه. يقال : انقلب المسافر إلى أهله وفي دعاء السفر : «أعوذ بك من كآبة المنقلب». وأصله مستعار من قلب الثوب ، إذا صرفه من وجه إلى وجه آخر ، يقال : قلب الشيء ، إذا أرجعه.
وأهل الرجل : زوجه وأبناؤه ، وذكر الأهل هنا لأنهم ينبسط إليهم بالحديث فلذلك قيل : (إِلى أَهْلِهِمُ) دون : إلى بيوتهم.
والمعنى : وإذا رجع الذين أجرموا إلى بيوتهم وخلصوا مع أهلهم تحدثوا أحاديث الفكاهة معهم بذكر المؤمنين وذمهم.
وتكرير فعل : (انْقَلَبُوا) بقوله : (انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) من النسج الجزل في الكلام كان يكفي أن يقول : وإذا انقلبوا إلى أهلهم فكهوا ، أو إذا انقلبوا إلى أهلهم كانوا فاكهين. وذلك لما في إعادة الفعل من زيادة تقرير معناه في ذهن السامع لأنه مما ينبغي الاعتناء به ، ولزيادة تقرير ما في الفعل من إفادة التجدد حتى يكون فيه استحضار الحالة. قال ابن جنّي في كتاب «التنبيه على إعراب الحماسة» عند قول الأحوص :
فإذا تزول عن متخمّط |
|
تخشى بوادره على الأقران |
محال أن تقول إذا قمت قمت وإذا أقعد أقعد لأنه ليس في الثاني غير ما في الأول ، أي فلا يستقيم جعل الثاني جوابا للأول. وإنما جاز أن يقول فإذا تزول تزول لما اتصل بالفعل الثاني من حرف الجر المفادة منه الفائدة مثله قول الله تعالى : (هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) [القصص : ٦٣] ولو قال : هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم لم يفد القول شيئا لأنه كقولك الذي ضربته ضربته والتي أكرمتها أكرمتها ولكن لما اتصل