وهم أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث ، والعاص بن هشام ، والنضر بن الحارث ، كانوا يضحكون من عمار بن ياسر ، وخباب بن الأرتّ ، وبلال ، وصهيب ، ويستهزءون بهم.
وعبر بالموصول وهذه الصلة : (الَّذِينَ أَجْرَمُوا) للتنبيه على أن ما أخبر به عنهم هو إجرام ، وليظهر موقع قوله : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [المطففين : ٣٦].
والإجرام : ارتكاب الجرم وهو الإثم العظيم ، وأعظم بالإجرام الكفر ويؤذن تركيب «كانوا يضحكون» بأن ذلك صفة ملازمة لهم في الماضي ، وصوغ (يَضْحَكُونَ) بصيغة المضارع للدلالة على تكرر ذلك منهم وأنه ديدن لهم.
وتعدية فعل (يَضْحَكُونَ) إلى الباعث على الضحك بحرف (مِنَ) هو الغالب في تعدية أفعال هذه المادة على أن (من) ابتدائية تشبّه الحالة التي تبعث على الضحك بمكان يصدر عنه الضحك ، ومثله أفعال : سخر منه ، وعجب منه.
ومعنى يضحكون منهم : يضحكون من حالهم فكان المشركون لبطرهم يهزءون بالمؤمنين ومعظمهم ضعاف أهل مكة فيضحكون منهم ، والظاهر أن هذا يحصل في نواديهم حين يتحدثون بحالهم بخلاف قوله : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ).
واعلم أنه إذا كان سبب الضحك حالة خاصة من أحوال كان المجرور اسم تلك الحالة نحو : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) [النمل : ١٩] وإذا كان مجموع هيئة الشيء كان المجرور اسم الذات صاحبة الأحوال لأن اسم الذات أجمع للمعروف من أحوالها نحو : (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) [المؤمنون : ١١٠]. وقول عبد يغوث الحارث :
وتضحك منّي شيخة عبشميّة |
|
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا |
والتغامز : تفاعل من الغمز ويطلق على جسّ الشيء باليد جسّا مكينا ، ومنه غمز القناة لتقويمها وإزالة كعوبها. وفي حديث عائشة : «لقد رأيتني ورسول اللهصلىاللهعليهوسلم يصلي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يسجد غمز رجليّ فقبضتهما».
ويطلق الغمز على تحريك الطّرف لقصد تنبيه الناظر لما عسى أن يفوته النظر إليه من أحوال في المقام وكلا الإطلاقين يصح حمل المعنى في الآية عليه.
وضمير (مَرُّوا) يجوز أن يعود إلى (الَّذِينَ أَجْرَمُوا) فيكون ضمير (بِهِمْ) عائدا إلى