من ذلك السرور الذي كان لهم في الحياة الدنيا المعروف من أحوالهم بما حكي في آيات كثيرة مثل قوله : (أُولِي النَّعْمَةِ) [المزمل : ١١] وقوله : (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) [المطففين : ٣١] فآلوا إلى ألم النار في الآخرة حتى دعوا بالثبور.
وتأكيد الخبر من شأن الأخبار المستعملة في التعجيب كقول عمر لحذيفة بن اليمان : «إنّك عليه لجريء» (أي على النبي صلىاللهعليهوسلم). وهذه الجملة معترضة.
وموقع جملة : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) موقع التعليل لمضمون جملة : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) إلى آخرها.
وحرف (إنّ) فيها مغن عن فاء التعليل ، فالمعنى : يصلى سعيرا لأنه ظن أن لن يحور ، أي لن يرجع إلى الحياة بعد الموت ، أي لأنه يكذّب بالبعث ، يقال : حار يحور ، إذا رجع إلى المكان الذي كان فيه ، ثم أطلق على الرجوع إلى حالة كان فيها بعد أن فارقها ، وهو المراد هنا وهو من المجاز الشائع مثل إطلاق الرجوع عليه في قوله : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) [يونس : ٢٣] وقوله : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) [الطارق : ٨] وسمي يوم البعث يوم المعاد.
وجيء بحرف (لَنْ) الدال على تأكيد النفي وتأييده لحكاية جزمهم وقطعهم بنفيه.
وحرف (بَلى) يجاب به الكلام المنفي لإبطال نفيه وأكثر وقوعه بعد الاستفهام عن النفي نحو : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ويقع بعد غير الاستفهام أيضا نحو قوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) [التغابن : ٧].
وموقع (بَلى) الاستئناف كأحرف الجواب.
وجملة : (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) مبينة للإبطال الذي أفاده حرف (بَلى) على وجه الإجمال يعني أن ظنه باطل لأن ربه أنبأه بأنه يبعث.
والمعنى : إن ربه عليم بمآله. وتأكيد ذلك بحرف (إِنَ) لرده إنكاره البعث الذي أخبر الله به على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم فآل المعنى الحاصل من حرف الإبطال ومن حرف التأكيد إلى معنى : أن ربه بصير به وأما هو فغير بصير بحاله كقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢١٦].