يجوز أن يكون الاستثناء متصلا : إمّا على أنه استثناء من الضمير في قوله : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [الانشقاق : ١٩] جريا على تأويله بركوب طباق الشدائد والأهوال يوم القيامة وما هو في معنى ذلك من التهديد.
وإمّا على أنه استثناء من ضمير الجمع في «فبشرهم» [الانشقاق : ٢٤] والمعنى إلا الذين يؤمنون من الذين هم مشركون الآن كقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا) [البقرة : ١٦٠] وقوله في سورة البروج [١٠] : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) الآية وفعل (آمَنُوا) على هذا الوجه مراد به المستقبل ، وعبّر عنه بالماضي للتنبيه على معنى : من تحقق إيمانهم ، وما بينهما من قوله : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الانشقاق : ٢٠] إلى هنا تفريع معترض بين المستثنى والمستثنى منه خصّ به الأهمّ ممن شملهم عموم (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [الانشقاق : ١٩].
وقيل : هو استثناء منقطع من ضمير (فَبَشِّرْهُمْ) فهو داخل في التبشير المستعمل في التهكم زيادة في إدخال الحزن عليهم. فحرف (إِلَّا) بمنزلة (لكن) والاستدراك فيه لمجرد المضادة لا لدفع توهم إرادة ضد ذلك ومثل ذلك كثير في الاستدراك ، وأما تعريف بعضهم الاستدراك بأنه تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه ، فهو تعريف تقريبي.
وجملة (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) استئناف بياني كأنّ سائلا سأل : كيف حالهم يوم يكون أولئك في عذاب أليم؟
والأجر غير الممنون هو الذي يعطاه صاحبه مع كرامة بحيث لا يعرّض له بمنة كما أشار إليه قوله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف : ١٤] ونحوه مما ذكر فيه مع الجزاء سببه ، والمعنى : أن أجرهم سرور لهم لا تشوبه شائبة كدر فإن المنّ ينغّص الإنعام قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] وقال النابغة :
عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة |
|
لوالده ليست بذات عقارب |
ومن نوابغ الكلم للعلامة الزمخشري : طعم الآلاء أحلى من المنّ. وهو أمرّ من الآلاء مع المنّ.
ويجوز أن يكون (غَيْرُ مَمْنُونٍ) بمعنى غير مقطوع يقال : مننت الحبل ، إذا قطعته ، قال تعالى : (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة : ٣٢ ، ٣٣].