أصحاب الأخدود لا يحتاج إلى التوكيد بالقسم إذ لا ينكره أحد فهو قصة معلومة للعرب.
وانتساق ضمائر جمع الغائب المرفوعة من قوله : (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) إلى قوله : (وَما نَقَمُوا) يقتضي أن يكون أصحاب الأخدود واضعيه لتعذيب المؤمنين.
وقيل : الجواب هو جملة : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [البروج : ١٠] فيكون الكلام الذي بينهما اعتراضا وتوطئة على نحو ما قررناه في كلام الزجاج.
وقوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) صيغته تشعر بأنه إنشاء شتم لهم شتم خزي وغضب وهؤلاء لم يقتلوا ففعل قتل ليس بخبر بل شتم نحو قوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠]. وقولهم قاتله الله ، وصدوره من الله يفيد معنى اللعن ويدل على الوعيد لأن الغضب واللعن يستلزمان العقاب على الفعل الملعون لأجله.
وقيل : هو دعاء على أصحاب الأخدود بالقتل كقوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) [عبس : ١٧] والقتل مستعار لأشد العذاب كما يقال : أهلكه الله ، أي أوقعه في أشد العناء ، وأيّا ما كان فجملة (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) على هذا معترضة بين القسم وما بعده.
ومن جعل (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) جواب القسم جعل الكلام خبرا وقدّره لقد قتل أصحاب الأخدود ، فيكون المراد من أصحاب الأخدود الذين ألقوا فيه وعذبوا به ويكون لفظ أصحاب مستعملا في معنى مجرد المقارنة والملازمة كقوله تعالى : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) [يوسف : ٣٩] وقد علمت آنفا تعيّن تأويل هذا القول بأن الخبر مستعمل في لازم معناه.
ولفظ (أَصْحابُ) يعمّ الآمرين بجعل الأخدود والمباشرين لحفره وتسعيره ، والقائمين على إلقاء المؤمنين فيه.
وهذه قصة اختلف الرواة في تعيينها وفي تعيين المراد منها في هذه الآية.
والروايات كلها تقتضي أن المفتونين بالأخدود قوم اتبعوا النصرانية في بلاد اليمن على أكثر الروايات ، أو في بلاد الحبشة على بعض الروايات ، وذكرت فيها روايات متقاربة تختلف بالإجمال والتفصيل ، والترتيب ، والزيادة ، والتعيين وأصحّها ما رواه مسلم والترمذي عن صهيب أن النبي صلىاللهعليهوسلم قصّ هذه القصة على أصحابه. وليس فيما روي