بعد أن تبين الدليل على إمكان البعث أعقب بتحقيق أن القرآن حق وأن ما فيه قول فصل إبطالا لما موّه عليهم من أن أخباره غير صادقة إذ قد أخبرهم بإحياء الرمم البالية.
فالجملة استئناف ابتدائي لغرض من أغراض السورة.
وافتتح الكلام بالقسم تحقيقا لصدق القرآن في الإخبار بالبعث وفي غير ذلك مما اشتمل عليه من الهدى. ولذلك أعيد القسم ب (السَّماءِ) كما أقسم بها في أول السورة ، وذكر من أحوال السماء ما له مناسبة بالمقسم عليه ، وهو الغيث الذي به صلاح الناس ، فإن إصلاح القرآن للناس كإصلاح المطر. وفي الحديث : «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا». الحديث.
وفي اسم الرجع مناسبة لمعنى البعث في قوله : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) [الطارق : ٨] وفيه محسن الجناس التام وفي مسمى الرجع وهو المطر المعاقب لمطر آخر مناسبة لمعنى الرجع البعث فإن البعث حياة معاقبة بحياة سابقة.
وعطف (الْأَرْضِ) في القسم لأن بذكر الأرض إتمام المناسبة بين المقسم والمقسم عليه كما علمت من المثل الذي في الحديث.
و (الصَّدْعِ) : الشق ، وهو مصدر بمعنى المفعول ، أي المصدوع عنه ، وهو النبات الذي يخرج من شقوق الأرض قال تعالى : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً) [عبس : ٢٥ ـ ٢٩].
ولأن في هذين الحالين إيماء إلى دليل آخر من دلائل إحياء الناس للبعث فكان في هذا القسم دليلان.
والضمير الواقع اسما ل (إنّ) عائد إلى القرآن وهو معلوم من المقام.
والفصل مصدر بمعنى التفرقة ، والمراد أنه يفصل بين الحق والباطل ، أي يبين الحق ويبطل الباطل ، والإخبار بالمصدر للمبالغة ، أي إنه لقول فاصل.
وعطف (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) بعد الثناء على القرآن بأنه «قول فصل» يتعين على المفسر أن يتبين وجه هذا العطف ومناسبته ، والذي أراه في ذلك أنه أعقب به الثناء على القرآن ردا على المشركين إذ كانوا يزعمون أن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء يهزل إذ يخبر بأن الموتى سيحيون ، يريدون تضليل عامتهم حين يسمعون قوارع القرآن وإرشاده وجزالة معانيه يختلقون لهم تلك