والمراد به هنا : النبات الذي لا يؤكل حبه بل الذي ينتفع بذاته وهو ما تأكله الأنعام والدواب مثل التبن والقرط والفصفصة والحشيش وغير ذلك.
وجعلت الجنات مفعولا ل (تخرج) على تقدير مضاف ، أي نخل جنات أو شجر جنات ، لأن الجنات جمع جنة وهي القطعة من الأرض المغروسة نخلا ، أو نخلا وكرما ، أو بجميع الشجر المثمر مثل التين والرمان كما جاء في مواضع من القرآن ، وهي استعمالات مختلفة باختلاف المنابت.
ووجه إيثار لفظ (جَنَّاتٍ) أن فيه إيماء إلى إتمام المنة لأنهم كانوا يحبون الجنات والحدائق لما فيها من التنعم بالظّلال والثمار والمياه وجمال المنظر ، ولذلك أتبعت بوصف (أَلْفافاً) لأنه يزيدها حسنا ، وإن كان الفلاحون عندنا يفضلون التباعد بين الأشجار لأن ذلك أوفر لكمية الثمار لأن تباعدها أسعد لها بتخلل الهواء وشعاع الشمس ، لكن مساق الآية هنا الامتنان بما فيه نعيم الناس.
وألفاف : اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو مثل أوزاع وأخياف ، أي كل جنة ملتفة ، أي ملتفة الشجر بعضه ببعض.
فوصف الجنات بألفاف مبنيّ على المجاز العقلي لأن الالتفاف في أشجارها ولكن لما كانت الأشجار لا يلتفّ بعضها على بعض في الغالب إلا إذا جمعتها جنة أسند ألفاف إلى جنات بطريق الوصف. ولعله من مبتكرات القرآن إذ لم أر شاهدا عليه من كلام العرب قبل القرآن.
وقيل : ألفاف جمع لفّ بكسر اللام بوزن جذع ، أي كل جنة منها لف بكسر اللام ولم يأتوا بشاهد عليه. وذكر في «الكشاف» أن صاحب «الإقليد» (١) ذكر بيتا أنشده الحسن بن علي الطوسي (٢) ولم يعزه إلى قائل. وفي «الكشاف» زعم ابن قتيبة (٣) أنه لفّاء ولفّ ثم ألفاف (أي أن ألفافا جمع الجمع) قال : «وما أظنه واجدا له نظيرا» أي لا يجمع
__________________
(١) الإقليد اسم تفسير كذا قال القزويني في «الكشف» على «الكشاف» ورأيت في طرة نسخة فيه أن الإقليد لأبي الفتح الهمذاني ولم أعثر على ترجمة مؤلفه.
(٢) الحسن بن علي الطوسي لعله الوزير الملقب نظام الملك والبيت هو :
جنة لفّ وعيش مغدق |
|
وندامى كلهم بيض زهر |
(٣) لعله ذكر ذلك في غير كتاب أدب الكتاب فإنّي لم أجده فيه.