ذلك قول حسان :
كلتاهما حلب العصير فعاطني |
|
بزجاجة أرخاهما للمفصل |
أراد حسّان الخمر والماء الذي مزجت به ، أي هذه من عصير العنب وهذه من عصير السحاب ، فسر هذا التفسير قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن العنبري (١) للقوم الذين حلف صاحبهم بالطلاق أن يسأل القاضي عن تفسير بيت حسان ا ه.
والثّجاج : المنصبّ بقوة وهو فعّال من ثجّ القاصر إذا انصب ، يقال : ثجّ الماء ، إذا انصبّ بقوة ، فهو فعل قاصر. وقد يسند الثجّ إلى السحاب ، يقال : ثج السحاب يثجّ بضم الثاء ، إذا صبّ الماء ، فهو حينئذ فعل متعدّ.
ووصف الماء هنا بالثّجاج للامتنان.
وقد بينت حكمة إنزال المطر من السحاب بأن الله جعله لإنبات النبات من الأرض جمعا بين الامتنان والإيماء إلى دليل تقريب البعث ليحصل إقرارهم بالبعث وشكر الصّانع.
وجيء بفعل (لِنُخْرِجَ) دون نحو : لننبت ، لأن المقصود الإيماء إلى تصوير كيفية بعث الناس من الأرض إذ ذلك المقصد الأول من هذا الكلام ألا ترى أنه لما كان المقصد الأول من آية سورة (ق) هو الامتنان جيء بفعل «أنبتنا» في قوله : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ) [ق : ٩] الآية. ثم أتبع ثانيا بالاستدلال به على البعث بقوله : (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) [ق : ١١]. والبعث خروج من الأرض قال تعالى : (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) في سورة طه [٥٥].
والحب : اسم جمع حبّة وهي البرزة. والمراد بالحب هنا : الحب المقتات للناس مثل : الحنطة ، والشعير ، والسّلت ، والذّرة ، والأرزّ ، والقطنية ، وهي الحبوب التي هي ثمرة السنابل ونحوها.
والنّبات أصله اسم مصدر نبت الزرع ، قال تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] وأطلق النبات على النبات من إطلاق المصدر على الفاعل وأصله المبالغة ثم شاع استعماله فنسيت المبالغة.
__________________
(١) ولي قضاء البصرة سنة ١٥٨ وعزل سنة ١٦٥ وتوفي سنة ١٦٨. وهو الذي ينسب إليه القول بأن المجتهد لا يأثم ولو في أصول الدين إذا لم يخرج باجتهاده عن الإسلام.