والموصوف محذوف ، وتأنيث الوصف مشعر بأن الموصوف المحذوف مما يجري في الكلام على اعتبار اسمه مؤنثا بأن يكون مفردا فيه علامة تأنيث أو يكون جمعا إذ المجموع تعامل معاملة المؤنث. فكان الوصف المؤنث مناديا على تقدير موصوف مناسب للتأنيث في لفظه ، وسياق الكلام الذي قبله يهدي إلى أن يكون الموصوف المقدّر معنى الشريعة فإن خطاب الرسول صلىاللهعليهوسلم في القرآن مراعى فيه وصفه العنواني وهو أنه رسول فلا جرم أن يكون أول شئونه هو ما أرسل به وهو الشريعة.
وقوله : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) إن حمل على ظاهر نظم الكلام وهو ما جرى عليه المفسرون. فالتيسير مستعار للتهيئة والتسخير ، أي قوة تمكينه صلىاللهعليهوسلم من اليسرى وتصرفه فيها بما يأمر الله به ، أي نهيئك للأمور اليسرى في أمر الدّين وعواقبه من تيسير حفظ القرآن لك وتيسير الشريعة التي أرسلت بها وتيسير الخير لك في الدنيا والآخرة. وهذه الاستعارة تحسّنها المشاكلة.
ومعنى اللام في قوله : (لِلْيُسْرى) العلة ، أي لأجل اليسرى ، أي لقبولها ، ونحوه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «كلّ ميسر لما خلق له» وتكون هذه الآية على مهيع قوله تعالى : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) وقوله : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) في سورة الليل [٧ ـ ١٠].
ويجوز أن يجعل الكلام جاريا على خلاف مقتضى الظاهر بسلوك أسلوب القلب وأن الأصل : ونيسر لك اليسرى ، أي نجعلها سهلة لك فلا تشقّ عليك فيبقى فعل : «نيسرك» على حقيقته ، وإنما خولف عمله في مفعوله والمجرور المتعلق به على عكس الشائع في مفعوله والمجرور المتعلق به.
وفي وصفها ب (اليسرى) إيماء إلى استتباب تيسره لها بما أنها جعلت يسرى ، فلم يبق إلا حفظه من الموانع التي يشق معها تلقي اليسرى.
فاشتمل الكلام على تيسيرين : تيسير ما كلف به النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي جعله يسيرا مع وفائه بالمقصود منه ، وتيسير النبي صلىاللهعليهوسلم للقيام بما كلف به.
ويوجّه العدول عن مقتضى ظاهر النظم إلى ما جاء النظم عليه ، بأنّ فيه تنزيل الشيء الميسّر منزلة الشيء الميسّر له والعكس للمبالغة في ثبوت الفعل للمفعول على طريقة القلب المقبول كقول العرب : «عرضت الناقة على الحوض» ، وقول العجاج :
ومهمه مغبرّة أرجاؤه |
|
كأن لون أرضه سماؤه |