لأنه يخشى أن يحق عليه ما أنذر به.
والخشية : الخوف ، وتقدم في قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) في سورة طه [٤٤] والخشية ذات مراتب وفي درجاتها يتفاضل المؤمنون.
والتجنب : التباعد ، وأصله تفعل لتكلف الكينونة بجانب من شيء.
والجانب : المكان الذي هو طرف لغيره ، وتكلف الكينونة به كناية عن طلب البعد أي بمكان بعيد منه ، أي يتباعد عن الذكرى الأشقى.
والتعريف في (الْأَشْقَى) تعريف الجنس ، أي الأشقون.
و (الْأَشْقَى) : هو الشديد الشقوة ، والشقوة والشقاء في لسان الشرع الحالة الناشئة في الآخرة عن الكفر من حالة الإهانة والتعذيب ، وعندنا أن من علم إلى موته مؤمنا فليس بشقي.
فالأشقى : هو الكافر لأنه أشدّ الناس شقاء في الآخرة لخلوده في النار.
وتعريف (الْأَشْقَى) تعريف الجنس ، فيشمل جميع المشركين. ومن المفسرين من حمله على العهد فقال : أريد به الوليد بن المغيرة ، أو عتبة بن ربيعة.
ووصف (الْأَشْقَى) ب (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) لأن إطلاق (الْأَشْقَى) في هذه الآية في صدر مدة البعثة المحمدية فكان فيه من الإبهام ما يحتاج إلى البيان فأتبع بوصف يبيّنه في الجملة ما نزل من القرآن من قبل هذه الآية.
ومقابلة (مَنْ يَخْشى) ب (الْأَشْقَى) تؤذن بأن (الْأَشْقَى) من شأنه أن لا يخشى فهو سادر في غروره منغمس في لهوه فلا يتطلب لنفسه تخلصا من شقائه.
ووصف النار ب (الْكُبْرى) للتهويل والإنذار والمراد بها جهنم.
وجملة (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) عطف على جملة (يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) فهي صلة ثانية.
و (ثم) للتراخي الرتبي تدل على أن معطوفها متراخي الرتبة في الغرض المسوق له الكلام وهو شدة العذاب فإن تردد حاله بين الحياة والموت وهو في عذاب الاحتراق عذاب أشدّ ممّا أفاده أنه في عذاب الاحتراق ، ضرورة أن الاحتراق واقع وقد زيد فيه درجة أنه لا راحة منه بموت ولا مخلص منه بحياة.