روى ابن مردويه والآجري عن أبي ذر قال : «قلت يا رسول الله هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال : نعم (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى* بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) [الأعلى : ١٤ ـ ١٧]. ولم أقف على مرتبة هذا الحديث.
ومعنى الظرفية من قوله : (لَفِي الصُّحُفِ) أن مماثله في المعنى مكتوب في الصحف الأولى ، فأطلقت الصحف على ما هو مكتوب فيها على وجه المجاز المرسل كما في قوله تعالى : (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) [ص : ١٦] ، أي ما في قطّنا وهو صك الأعمال.
و (الصُّحُفِ) : جمع صحيفة على غير قياس لأن قياس جمعه صحائف ، ولكنه مع كونه غير مقيس هو الأفصح كما قالوا : سفن في جمع سفينة ، ووجه جمع الصحف أن إبراهيم كانت له صحف وأن موسى كانت له صحف كثيرة وهي مجموع صحف أسفار التوراة.
وجاء نظم الكلام على أسلوب الإجمال والتفصيل ليكون لهذا الخبر مزيد تقرير في أذهان الناس فقوله : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) بدل من (الصُّحُفِ الْأُولى).
و (الْأُولى) : وصف لصحف الذي هو جمع تكسير فله حكم التأنيث. و (الْأُولى) صيغة تفضيل. واختلف في الحروف الأصلية للفظ أوّل فقيل : حروفه الأصول همزة فواو (مكررة) فلام ذكره في «للسان» فيكون وزن أول : أأول ، فقلبت الهمزة الثانية واوا وأدغمت في الواو. وقيل : أصوله : واوان ولام وأن الهمزة التي في أوله مزيدة فوزن أول : أفعل وإدغام إحدى الواوين ظاهر.
وقيل : حروفه الأصلية واو وهمزة ولام فأصل أول أو أل بوزن أفعل قلبت الهمزة التي بعد الواو واوا وأدغما.
و (الْأُولى) : مؤنث أفعل من هذه المادة فإما أن نقول : أصلها أولى سكنت الواو سكونا ميتا لوقوعها إثر ضمة ، أو أصلها : وولى بواو مضمومة في أوله وسكنت الواو الثانية أيضا ، أو أصلها : وألى بواو مضمومة ثم همزة ساكنة فوقع فيه قلب ، فقيل : أولى فوزنها على هذا عفلى.
والمراد بالأولية في وصف الصحف سبق الزمان بالنسبة إلى القرآن لا التي لم يسبقها غيرها لأنه قد روي أن بعض الرسل قبل إبراهيم أنزلت عليه صحف فهو كوصف (عاد)