وأوثر وصف (خاشِعَةٌ) و (عامِلَةٌ) و (ناصِبَةٌ) تعريضا بأهل الشقاء بتذكيرهم بأنهم تركوا الخشوع لله والعمل بما أمر به والنصب في القيام بطاعته ، فجزاؤهم خشوع مذلّة ، وعمل مشقة ، ونصب إرهاق.
وجملة : (تَصْلى ناراً حامِيَةً) خبر رابع عن (وُجُوهٌ) ويجوز أن تكون حالا ، يقال : صلي يصلّى ، إذا أصابه حرّ النار ، وعليه فذكر : (ناراً) بعد (تَصْلى) لزيادة التهويل والإرهاب وليجرى على (ناراً) وصف (حامِيَةً) وقرأ الجمهور (تَصْلى) بفتح التاء أي يصيبها صلي النار. وقرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب «تصلى» بضم التاء من أصلاه النار بهمزة التعدية إذا أناله حرّها.
ووصف النار ب (حامِيَةً) لإفادة تجاوز حرها المقدار المعروف لأن الحمي من لوازم ماهية النار فلما وصفت ب (حامِيَةً) كان دالا على شدة الحمى قال تعالى : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) [الهمزة : ٦].
وأخبر عن (وُجُوهٌ) خبرا خامسا بجملة (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أو هو حال من ضمير (تَصْلى) لأن ذكر الاحتراق بالنار يحضر في الذهن تطلب إطفاء حرارتها بالشراب فجعل شرابهم من عين آنية.
يقال : أنى إذا بلغ شدة الحرارة ، ومنه قوله تعالى : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) في سورة الرحمن [٤٤].
وذكر السقي يخطر في الذهن تطلب معرفة ما يطعمونه فجيء به خبرا سادسا أو حالا من ضمير (تُسْقى) بجملة (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) ، أي يطعمون طعام إيلام وتعذيب لا نفع فيه لهم ولا يدفع عنهم ألما.
وجملة : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ) إلخ خبر سادس عن (وُجُوهٌ).
وضمير (لَهُمْ) عائد إلى (وُجُوهٌ) باعتبار تأويله بأصحاب الوجوه ولذلك جىء به ضمير جماعة المذكر. والتذكير تغليب للذكور على الإناث.
والضريع : يابس الشّبرق (بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة وكسر الراء) وهو نبت ذو شوك إذا كان رطبا فإذا يبس سمي ضريعا وحينئذ يصير مسموما وهو مرعى للإبل ولحمر الوحش إذا كان رطبا ، فما يعذب بأهل النار بأكله شبه بالضريع في سوء طعمه