ولهذا النظم صارت هذه الجملة بمنزلة الاستطراد والتتميم ، لإظهار الفرق بين حالي الفريقين ولتعقيب النذارة بالبشارة فموقع هذه الجملة المستأنفة موقع الاعتراض ولا تنافي بين الاستئناف والاعتراض وذلك موجب لفصلها عما قبلها. وفيه جري القرآن على سننه من تعقيب الترهيب والترغيب.
فأما الجملتان اللتان في سورة عبس فلم يتقدمهما إبهام لأنهما متصلتان معا بالظرف وهو (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) [عبس : ٣٣].
وقد علم من سياق توجيه الخطاب إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم أن الوجوه الأولى وجوه المكذبين بالرسول ، والوجوه المذكورة بعدها وجوه المؤمنين المصدقين بما جاء به.
والقول في تنكير (وُجُوهٌ) ، والمراد بها ، والإخبار عنها بما بعدها ، كالقول في الآيات التي سبقتها.
و (ناعِمَةٌ) : خبر عن (وُجُوهٌ) يجوز أن يكون مشتقا من نعم بضم العين ينعم بضمها الذي مصدره نعومة وهي اللين وبهجة المرأى وحسن المنظر.
ويجوز أن يكون مشتقا من نعم بكسر العين ينعم مثل حذر ، إذا كان ذا نعمة ، أي حسن العيش والترف.
ويتعلق (لِسَعْيِها) بقوله : (راضِيَةٌ) ، و (راضِيَةٌ) خبر ثان عن (وُجُوهٌ)
والمراد بالسعي : العمل الذي يسعاه المرء ليستفيد منه. وعبّر به هنا مقابل قوله في ضده (عامِلَةٌ) [الغاشية : ٣].
والرضى : ضد السخط ، أي هي حامدة ما سعته في الدنيا من العمل الذي هو امتثال ما أمر الله به على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم.
والمجرور في قوله : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) خبر ثالث عن (وُجُوهٌ).
والجنة أريد به مجموع دار الثواب الصادق بجنات كثيرة أو أريد به الجنس مثل (عَلِمَتْ نَفْسٌ) [التكوير : ١٤].
ووصف (جَنَّةٍ) ب (عالِيَةٍ) لزيادة الحسن لأن أحسن الجنات ما كان في المرتفعات ، قال تعالى : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) [البقرة : ٢٦٥] فذلك يزيد حسن باطنها بحسن ما يشاهده الكائن فيها من مناظر ، وهذا وصف شامل لحسن موقع الجنة.