والنظر : نظر العين المفيد الاعتبار بدقائق المنظور ، وتعديته بحرف (إلى) تنبيه على إمعان النظر ليشعر الناظر مما في المنظور من الدقائق ، فإن قولهم نظر إلى كذا أشد في توجيه النظر من نظر كذا ، لما في (إلى) من معنى الانتهاء حتى كأنّ النظر انتهى عند المجرور ب (إلى) انتهاء تمكن واستقرار كما قال تعالى : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) [الأحزاب : ١٩] وقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٣].
ولزيادة التنبيه على إنكار هذا الإهمال قيّد فعل (يَنْظُرُونَ) بالكيفيات المعدودة في قوله : (كَيْفَ خُلِقَتْ) ، (كَيْفَ رُفِعَتْ) ، (كَيْفَ نُصِبَتْ) ، (كَيْفَ سُطِحَتْ) أي لم ينظروا إلى دقائق هيئات خلقها.
وجملة : (كَيْفَ خُلِقَتْ) بدل اشتمال من الإبل والعامل فيه هو العامل في المبدل منه وهو فعل (يَنْظُرُونَ) لا حرف الجر ، فإن حرف الجر آلة لتعدية الفعل إلى مفعوله فالفعل إن احتاج إلى حرف الجر في التعدية إلى المفعول لا يحتاج إليه في العمل في البدل ، وشتان بين ما يقتضيه إعمال المتبوع وما يقتضيه إعمال التابع فكلّ على ما يقتضيه معناه وموقعه ، فكيف منصوب على الحال بالفعل الذي يليه.
والمعنى والتقدير : أفلا ينظرون إلى الإبل هيئة خلقها.
وقد عدّت أشياء أربعة هي من النّاظرين عن كثب لا تغيب عن أنظارهم ، وعطف بعضها على بعض ، فكان اشتراكها في مرآهم جهة جامعة بينها بالنسبة إليهم ، فإنهم المقصودون بهذا الإنكار والتوبيخ ، فالذي حسّن اقتران الإبل مع السماء والجبال والأرض في الذكر هنا ، هو أنها تنتظم في نظر جمهور العرب من أهل تهامة والحجاز ونجد وأمثالها من بلاد أهل الوبر والانتجاع.
فالإبل أموالهم ورواحلهم ، ومنها عيشهم ولباسهم ونسج بيوتهم وهي حمّالة أثقالهم ، وقد خلقها الله خلقا عجيبا بقوة قوائمها ويسر بروكها لتيسير حمل الأمتعة عليها ، وجعل أعناقها طويلة قوية ليمكنها النهوض بما عليها من الأثقال بعد تحميلها أو بعد استراحتها في المنازل والمبارك ، وجعل في بطونها أمعاء تختزن الطعام والماء بحيث تصبر على العطش إلى عشرة أيام في السير في المفاوز مما يهلك فيما دونه غيرها من الحيوان.
وكم قد جرى ذكر الرواحل وصفاتها وحمدها في شعر العرب ولا تكاد تخلو قصيدة من طوالهم عن وصف الرواحل ومزاياها. وناهيك بما في المعلقات وما في قصيدة كعب بن زهير.