تذكيرهم وأنه لا يؤيسه إصرارهم على الإعراض وعدم ادكارهم بما ألقى إليهم من المواعظ ، وتثبيته بأنه لا تبعة عليه من عدم إصغائهم إذ لم يبعث ملجئا لهم على الإيمان.
فالأمر مستعمل في طلب الاستمرار والدوام.
ومفعول «ذكّر» محذوف هو ضمير يدل عليه قوله بعده (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) وجملة (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) تعليل للأمر بالدوام على التذكير مع عدم إصغائهم لأن (إِنَّما) مركبة من (أنّ) و (ما) وشأن (إنّ) إذا وردت بعد جملة أن تفيد التعليل وتغني غناء فاء التسبب ، واتصال (ما) الكافة بها لا يخرجها عن مهيعها.
والقصر المستفاد ب (إِنَّما) قصر إضافي ، أي أنت مذكر لست وكيلا على تحصيل تذكرهم فلا تتحرج من عدم تذكرهم فأنت غير مقصر في تذكيرهم وهذا تطمين لنفسه الزكية.
وجملة (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) بدل اشتمال من جملة القصر باعتبار جانب النفي الذي يفيده القصر.
والمصيطر : المجبر المكره.
يقال : صيطر بصاد في أوله ، ويقال : سيطر بسين في أوله والأشهر بالصاد. وتقدم في سورة الطور [٣٧] : (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) وقرأ بها الجمهور وقرأ هشام عن ابن عامر بالسين وقرأه حمزة بإشمام الصاد صوت الزاي.
ونفي كونه مصيطرا عليهم خبر مستعمل في غير الإخبار لأن النبي صلىاللهعليهوسلم يعلم أنه لم يكلف بإكراههم على الإيمان ، فالخبر بهذا النفي مستعمل كناية عن التطمين برفع التبعة عنه من جراء استمرار أكثرهم على الكفر ، فلا نسخ لحكم هذه الآية بآيات الأمر بقتالهم.
ثم جاء وجوب القتال بتسلسل حوادث كان المشركون هم البادئين فيها بالعدوان على المسلمين إذ أخرجوهم من ديارهم ، فشرع قتال المشركين لخضد شوكتهم وتأمين المسلمين من طغيانهم.
ومن الجهلة من يضع قوله : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) في غير موضعه ويحيد به عن مهيعه فيريد أن يتخذه حجة على حرية التدين بين جماعات المسلمين. وشتان بين أحوال أهل الشرك وأحوال جامعة المسلمين. فمن يلحد في الإسلام بعد الدخول فيه يستتاب