الوهم مسوّلا لهم التكذيب بما أنذروا به من وعيد ، وبما يسر المؤمنون من ثواب في الآخرة ، فحصروا جزاء الخير في الثروة والنعمة وقصروا جزاء السوء على الخصاصة وقتر الرزق. وقد تكرر في القرآن التعرض لإبطال ذلك كقوله : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون : ٥٥ ، ٥٦].
وقد تضمن هذا الوهم أصولا انبنى عليها ، وهي : إنكار الجزاء في الآخرة ، وإنكار الحياة الثانية ، وتوهم دوام الأحوال.
ففاء التفريع مرتبطة بجملة : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [الفجر : ١٤] بما فيها من العموم الذي اقتضاه كونها تذييلا.
والمعنى : هذا شأن ربك الجاري على وفق علمه وحكمته.
فأما الإنسان الكافر فيتوهم خلاف ذلك إذ يحسب أن ما يناله من نعمة وسعة في الدنيا تكريما من الله له ، وما يناله من ضيق عيش إهانة أهانه الله بها.
وهذا التوهم يستلزم ظنهم أفعال الله تعالى جارية على غير حكمة قال تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) [فصلت: ٥٠].
فأعلم الله رسوله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بالحقيقة الحق ونبههم لتجنب تخليط الدلائل الدقيقة السامية ، وتجنب تحكيم الواهمة والشاهية ، وذكرهم بأن الأحوال الدنيوية أعراض زائلة ومتفاوتة الطول والقصر ، وفي ذلك كله إبطال لمعتقد أهل الشرك وضلالهم الذي كان غالبا على أهل الجاهلية ولذلك قال النابغة في آل غسان الذين لم يكونوا مشركين وكانوا متدينين بالنصرانية :
مجلّتهم ذات الإله ودينهم |
|
قويم فما يرجون غير العواقب |
ولا يحسبون الخير لا شرّ بعده |
|
ولا يحسبون الشرّ ضربة لازب |
وقد أعقب الله ذلك بالردع والإبطال بقوله : (كَلَّا) فمناط الردع والإبطال كلا القولين لأنهما صادران عن تأويل باطل وشبهة ضالّة كما ستعرفه عند قوله تعالى : (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ).