ويجوز أن تعود إلى (رَبُّهُ) من إضافة المصدر إلى فاعله.
والإهانة : المعاملة بالهون وهو الذل.
وإسناد (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ... فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) إلى الرب تعالى لأن الكرامة والنعمة انساقت للإنسان أو انساق له قدر الرزق بأسباب من جعل الله وسننه في هذه الحياة الدنيا بما يصادف بعض الحوادث بعضا ، وأسباب المقارنة بين حصول هذه المعاني وبين من تقع به من الناس في فرصها ومناسباتها.
والقول مستعمل في حقيقته وهو التكلم ، وإنما يتكلم الإنسان عن اعتقاد. فالمعنى : فيقول ربي أكرمني ، معتقدا ذلك ، ويقول : ربي أهانني ، معتقدا ذلك لأنهم لا يخلون عن أن يفتخروا بالنعمة ، أو يتذمروا من الضيق والحاجة ، ونظير استعمال القول هذا الاستعمال ما وقع في قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران : ٧٥] ، أي اعتقدوا ذلك فقالوه واعتذروا به لأنفسهم بين أهل ملتهم.
وتقديم (رَبِّي) على فعل (أَكْرَمَنِ) وفعل (أَهانَنِ) ، دون أن يقول : أكرمني ربي أو أهانني ربي ، لقصد تقوّي الحكم ، أي يقول ذلك جازما به غير متردد.
وجملتا : (فَيَقُولُ) في الموضعين جوابان ل (أَمَّا) الأولى والثانية ، أي يطرد قول الإنسان هذه المقالة كلّما حصلت له نعمة وكلما حصل له تقتير رزق.
وأوثر الفعل المضارع في الجوابين لإفادة تكرر ذلك القول وتجدده كلما حصل مضمون الشرطين.
وحرف (كَلَّا) زجر عن قول الإنسان (رَبِّي أَكْرَمَنِ) عند حصول النعمة. وقوله: (رَبِّي أَهانَنِ) عند ما يناله تقتير ، فهو ردع عن اعتقاد ذلك فمناط الردع كلا القولين لأن كل قول منهما صادر عن تأول باطل ، أي ليست حالة الإنسان في هذه الحياة الدنيا دليلا على منزلته عند الله تعالى. وإنما يعرف مراد الله بالطرق التي أرشد الله إليها بواسطة رسله وشرائعه ، قال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) إلى قوله : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) في سورة الكهف [١٠٣ ـ ١٠٥]. فرب رجل في نعمة في الدنيا هو مسخوط عليه ورب أشعث أغبر مطرود بالأبواب لو أقسم على الله لأبرّه.
فمناط الردع جعل الإنعام علامة على إرادة الله إكرام المنعم عليه وجعل التقتير