الأعمال الصالحة لأجل أن أحيا في هذه الدار. والمراد : الحياة الكاملة السالمة من العذاب لأن حياتهم في العذاب حياة غشاوة وغياب قال تعالى : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [الأعلى : ١٣].
وحرف النداء في قوله : (يا لَيْتَنِي) للتنبيه اهتماما بهذا التمني في يوم وقوع.
والفاء في قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) رابطة لجملة (لا يُعَذِّبُ) إلخ بجملة (دُكَّتِ الْأَرْضُ) لما في (إِذا) من معنى الشرط.
والعذاب : اسم مصدر عذّب.
والوثاق : اسم مصدر أوثق.
وقرأ الجمهور (يُعَذِّبُ) بكسر الذال و (يُوثِقُ) بكسر الثاء على أن (أَحَدٌ) في الموضعين فاعل (يُعَذِّبُ) ، و (يُوثِقُ) وأن عذابه من إضافة المصدر إلى مفعوله فضمير (عَذابَهُ) عائد إلى الإنسان في قوله : (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) وهو مفعول مطلق مبيّن للنوع على معنى التشبيه البليغ ، أي عذابا مثل عذابه ، وانتفاء المماثلة في الشدة ، أي يعذب عذابا هو أشد عذاب يعذبه العصاة ، أي عذابا لا نظير له في أصناف عذاب المعذّبين على معنى قوله تعالى : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة: ١١٥] والمراد في شدته.
وهذا بالنسبة لبني الإنسان ، وأما عذاب الشياطين فهو أشدّ لأنهم أشد كفرا و (أَحَدٌ) يستعمل في النفي لاستغراق جنس الإنسان فأحد في سياق النفي يعمّ كل أحد قال تعالى: (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار : ١٩] فانحصر الأحد المعذّب (بكسر الذال) في فرد وهو الله تعالى.
وقرأه الكسائي ويعقوب بفتح ذال يعذب وفتح ثاء يوثق مبنيين للنائب. وعن أبي قلابة قال : «حدثني من أقرأه النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قرأ يعذب ويوثق بفتح الذال وفتح الثاء». قال الطبري : وإسناده واه وأقول أغنى عن تصحيح إسناده تواتر القراءة به في بعض الروايات العشر وكلها متواتر.
والمعنى : لا يعذّب أحد مثل عذاب ما يعذّب به ذلك الإنسان المتحسر يومئذ ، ولا يوثق أحد مثل وثاقه ، ف (أَحَدٌ) هنا بمنزلة «أحدا» في قوله تعالى : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ١١٥].