أن يكون (حِلٌ) اسم مصدر أحلّ ، أي أباح ، فالمعنى وقد جعلك أهل مكة حلالا بهذا البلد الذي يحرم أذى صيده وعضد شجره ، وهم مع ذلك يحلون قتلك وإخراجك ، قال هذا شرحبيل بن سعد (١) فيكون المقصود من هذا الاعتراض التعجيب من مضمون الجملة وعليه فالإخبار عن ذات الرسول صلىاللهعليهوسلم بوصف (حِلٌ) يقدر فيه مضاف يعيّنه ما يصلح للمقام ، أي وأنت حلال منك ما حرّم من حقّ ساكن هذا البلد من الحرمة والأمن. والمعنى التعريض بالمشركين في عدوانهم وظلمهم الرسول صلىاللهعليهوسلم في بلد لا يظلمون فيه أحدا. والمناسبة ابتداء القسم بمكة الذي هو إشعار بحرمتها المقتضية حرمة من يحل بها ، أي فهم يحرّمون أن يتعرضوا بأذى للدواب ، ويعتدون على رسول جاءهم برسالة من الله.
ويجوز أن يكون (حِلٌ) اسما مشتقا من الحلّ وهو ضد المنع ، أي الذي لا تبعة عليه فيما يفعله. قال مجاهد والسدي ، أي ما صنعت فيه من شيء فأنت في حلّ أو أنت في حل ممن قاتلك أن تقاتله. وقريب منه عن ابن عباس ، أي مهما تمكنت من ذلك. فيصدق بالحال والاستقبال. وقال في «الكشاف» : «يعني وأنت حل به في المستقبل ونظيره في الاستقبال قوله عزوجل : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] ، تقول لمن تعده بالإكرام والحباء أنت مكرم محبّوا ا ه.
فهذا الاعتراض تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم قدمت له قبل ذكر إعراض المشركين عن الإسلام ، ووعد بأنه سيمكنه منهم.
وعلى كلا الوجهين في محمل صفة (حِلٌ) هو خصوصية للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد خصصه النبي صلىاللهعليهوسلم بيوم الفتح فقال : «وإنما أحلت لي ساعة من نهار» الحديث ، وفي «الموطإ» : «قال مالك : ولم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ (أي يوم الفتح) محرما».
ويثار من هذه الآية على اختلاف المحامل النظر في جواز دخول مكة بغير إحرام لغير مريد الحج أو العمرة. قال الباجي في «المنتقى» وابن العربي في «الأحكام» : الداخل مكة غير مريد النسك ، لحاجة تتكرر كالحطّابين وأصحاب الفواكه والمعاش هؤلاء يجوز دخولهم غير محرمين لأنهم لو كلفوا الإحرام لحقتهم مشقة. وإن كان دخولها لحاجة لا تتكرر فالمشهور عن مالك : أنه لا بد من الإحرام ، وروي عنه تركه والصحيح وجوبه ، فإن تركه قال الباجي : فالظاهر من المذهب أنه لا شيء عليه وقد أساء ولم يفصّل أهل
__________________
(١) أبو معاوية تابعي توفي سنة ١٢٣ ه.