مقدرة السابرة.
والاقتحام : الدخول العسير في مكان أو جماعة كثيرين يقال : اقتحم الصفّ ، وهو افتعال للدلالة على التكلف مثل اكتسب ، فشبه تكلف الأعمال الصالحة باقتحام العقبة في شدته على النفس ومشقته قال تعالى : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) [فصلت : ٣].
والاقتحام : ترشيح لاستعارة العقبة لطريق الخير ، وهو مع ذلك استعارة لأن تزاحم الناس إنما يكون في طلب المنافع كما قال :
والمورد العذب كثير الزحام
وأفاد نفي الاقتحام أنه عدل على الاهتداء إيثارا للعاجل على الآجل ولو عزم وصبر لاقتحم العقبة. وقد تتابعت الاستعارات الثلاث : النجدين ، والعقبة ، والاقتحام ، وبني بعضها على بعض وذلك من أحسن الاستعارة وهي مبنية على تشبيه المعقول بالمحسوس.
والكلام مسوق مساق التوبيخ على عدم اهتداء هؤلاء للأعمال الصالحة مع قيام أسباب الاهتداء من الإدراك والنطق.
وقوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) حال من العقبة في قوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) للتنويه بها وأنها لأهميتها يسأل عنها المخاطب هل أعلمه معلم ما هي ، أي لم يقتحم العقبة في حال جدارتها بأن تقتحم. وهذا التنويه يفيد التشويق إلى معرفة المراد من العقبة.
و (ما) الأولى استفهام. و (ما) الثانية مثلها. والتقدير : أيّ شيء أعلمك ما هي العقبة ، أي أعلمك جواب هذا الاستفهام ، كناية عن كونه أمرا عزيزا يحتاج إلى من يعلمك به.
والخطاب في (ما أَدْراكَ) لغير معين لأن هذا بمنزلة المثل.
وفعل (أَدْراكَ) معلق عن العمل في المفعولين لوقوع الاستفهام بعده وقد تقدم نظيره في سورة الحاقة.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر ويعقوب وخلف ، (فَكُّ رَقَبَةٍ) برفع (فَكُ) وإضافته إلى (رَقَبَةٍ) ورفع (إِطْعامٌ) عطفا على (فَكُ).
وجملة : (فَكُّ رَقَبَةٍ) بيان للعقبة والتقدير : هي فكّ رقبة ، فحذف المسند إليه حذفا لمتابعة الاستعمال. وتبيين العقبة بأنها : (فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعامٌ) مبني على استعارة العقبة