وإن كان المراد من الإنسان واحدا معينا جاز أن يكون المعنى على نحو ما تقدم ، وجاز أن يكون ذمّا له باللّؤم والتفاخر الكاذب ، وفضحا له بأنه لم يسبق منه عمل نافع لقومه قبل الإسلام فلم يغرم غرامة في فكاك أسير أو مأخوذ بدم أو من بحرية على عبد.
وأيّا ما كان فليس في الآية دلالة على أن الله كلف المشركين بهذه القرب ولا أنه عاقبهم على تركهم هذه القربات ، حتى تفرض فيه مسألة خطاب الكفار بفروع الشريعة وهي مسألة قليلة الجدوى وفرضها هنا أقل إجداء.
وجملة : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على جملة (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)
و (ثُمَ) للتراخي الرتبي فتدل على أن مضمون الجملة المعطوفة بها أرقى رتبة في الغرض المسوق له الكلام من مضمون الكلام المعطوفة عليه ، فيصير تقدير الكلام : فلا اقتحم العقبة بفكّ رقبة أو إطعام بعد كونه مؤمنا. وفي فعل (كانَ) إشعار بأن إيمانه سابق على اقتحام العقبة المطلوبة فيه بطريقة التوبيخ على انتفائها عنه.
فعطف (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) على الجمل المسوقة للتوبيخ والذم يفيد أن هذا الصنف من الناس أو هذا الإنسان المعين لم يكن من المؤمنين ، وأنه ملوم على ما فرّط فيه لانتفاء إيمانه ، وأنه لو فعل شيئا من هذه الأعمال الحسنة ولم يكن من الذين آمنوا ما نفعه عمله شيئا لأنه قد انتفى عنه الحظ الأعظم من الصالحات كما دلت عليه (ثُمَ) من التراخي الرتبي فهو مؤذن بأنه شرط في الاعتداد بالأعمال.
وعن عائشة : أنها قالت : «يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم الطعام ويفك العاني ويعتق الرقاب ويحمل على إبله لله (أي يريد التقرب) فهل ينفعه ذلك شيئا قال : «لا إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين». ويفهم من الآية بمفهوم صفة الذين آمنوا أنه لو عمل هذه القرب في الجاهلية وآمن بالله حين جاء الإسلام لكان عمله ذلك محمودا.
ومن يجعل (ثُمَ) مفيدة للتراخي في الزمان يجعل المعنى : لا اقتحم العقبة واتبعها بالإيمان. أي اقتحم العقبة في الجاهلية وأسلم لمّا جاء الإسلام.
وقد جاء ذلك صريحا في حديث حكيم بن حزام في الصحيح : «قال : قلت : يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة وصلة رحم فهل فيها من أجر فقال لي النبي صلىاللهعليهوسلم : «أسلمت على ما سلف من خير» والتحنّث : التعبد يعني